الاثنين، 5 سبتمبر 2016

القلم والورقة

بين القلم والورقة
--------------
   عاشقان، منذ وجدا، ما استطاعا ان يفترقا، عندما كان القلم وحيدًا طمر رأسه بالطين، فرأسه عاجزٌ عن العيش دون أن يعمل، البطالة عدوّته، بقي هكذا مقطوعًا من شجرة، الى أن وجدها، بردية، برّدت حرارته، امتصّت هياجه، تلاصقا عشقًا أبديّـًا، وترافقا وتزاوجا، والزواج جوازٌ،  والحبّ مبدع، ولاّدٌ، ولا يحول بينهما حائلٌ،  ووثاق الحبّ لا ينفصم.  
   ولان غريزة البقاء راسخة في الكائنات، عبّرت عن نفسها وتجلّت بالولادة، تناسلت لأجيالٍ وأجيالٍ، خلقت واصطَفَت، وورّثت  خير صفاتها، هكذا الحب؛ فتراكم الجمال، تراكم الحسن، تراكم العلم، تراكم الفهم، وأجيال تجمّلت وأخرى تعلّمت، ولفظت الدنيا عنها الغريب وأورثت السليم وتحسّن النسلُ، قفزت أجيال الأقلام والأوراق قفزات نوعيّة نحو التطوّر. 
    عمرا طويلًا وعمّرا حضاراتٍ رفعت عمدًا وجداراتٍ،  حمت شعوبًا ودُمّرت أخرى، وهما حبيبان متزاوجان لا يفترقان، بينهما حبّ ومداد وحبرٌ خلّاقٌ  متنوّع  الالوان.
   أيّ إبداعٍ هذا!
   ذاك الإبداع الذي لم يتوقّف، أراحهما، والمواليد يريحون الأهل في آخرتهم. 
   وها هو الزمن الذي حلّ اليوم ليمهّد الراحةَ للعاشقين الأبديَّين المتقدّمين بالعمر وباتا أحوج الكائنات لان يركنا الى مخدعما، ولأوّل مرّةٍ سيعودان الى مخدعهما دون أن ينسجا حروبًا جديدةً، أو سلامًا جديدًا؛  فقد إطمأنّاعلى انتشار العلم الذي أسّساه معًا، وصار بين أيدي التاريخ أجيالٌ مدركةٌ واعيةٌ، فلتتحمل مسؤليتها كاملة، وإذا أخفقت أحيانًا فقد أورثاها إرثًا عظيمًا فليعودا الى مراجعته.
   وبعد عمرٍ طويلٍ  ستجدون عند أحد الأضرحة شاهدًا صخريّـًا يشهد على تاريخ مديد لن ينكره أحدٌ مهما تقدم الزمن.
   قفوا أمامه وترحمّوا على دورٍ عظيم انجزاه، واحرصوا على ميراثٍ باهظٍ ولا تضيعوه؛ ففي أيديكم اليوم وغدًا كاتِبٌ دافيءٌ  وحافظةٌ متنوّعةُ الاشكال والخدمات، فما عليكم إلاّ أن  تعيشوا سلامًا... هذه وصيّةُ الإقلام والورق وسيل من مداد ملوّن حبّر حقباتٍ مديدةً من السنين!!
   
بقلمي٢٠١٤