قصًّة: الورقة الشافية
*************
كان ماكان..
إمرأة عجوز.. تقدّمت كثيرًا بالسن.. وليس كل العجائز يبقون دائمًا بصحةٍ جيّدةٍ .. فهم مضطرون للشعور بالمرض.. منهم من يتألّم.. والألم دافعٌ لزيارة طبيب.. مهما حاولوا تجنّبه...
لم تحظَ بالعلم أيّام الأتراك ولا أيام الفرنسيين.. وفشلت كلّ المحاولات بتعليمها.. وبجهد جهيد تمكّنت من معرفة أسماء بعض الأبناء.. وأكتفت بمعارفها الموروثة.. بعض المعارف موروثة من الريف وبعضها موروثة من الحياة المتنقّلة التي عاشتها..
وبعض المشاكل حلّتها بالايمان والصلاة والصوم.. وبعض الأمراض حلّت ربّانيةً.. وكلّ الآلام المحمولة ليست أمراضًا هي تجارب دنيوية ودروس وخبرات تراكمية..هكذا يفكّرالكثيرون من الناس، ولا يزال منهم الأغلبية يعتمدون هذا الموقف الى ان يصل الموسى الى الرقبة.. لذلك، أن بعض الأوجاع لا تنفع معها العلاجات التقليدية.. ربما بحاجة لخبرات طبيب أو حكمة حكيم ..
.. قد تختلط الأمور على الكبار.. سيما إذا اتيحت لهم الرغبة بالتعرّف الى عيادة طبيب.. وخاصّة إذا إلتصقت بالذاكرة بعض الشفاءات المستعصية بنظر العجائز رافقتها كثافة أقاويل النسوة في زمن غابر استنهضتها الذاكرة المتأخرة من عمق العقل البشري..
هكذا جرى.. بعد آلام مبرحة لم تبرح بسهولة.. ولم تنفع بعلاجها أساليبها النمطية.. لم يكن همّها الموت وهي المتقّدمة بالسن وعافت الرغبة بالاستمرار.. ولكن من يحقّق لها الشفاء..
فالموت أشرف لها وقد أشرف عليها..
*****************
جرجرت جسدها بصعوبة.. سنّدت ساعديهامندفعة الى الأمام.. ونظرها الضعيف يلتفت يمينًا فشمالًا يتفحص حقلًا قريبًا طالما حضن صبحياتها وودّع لياليها.. شرب معها القهوة.. واحتسى الى جانبها الشاي.. متسائلة عن مصير الورود المهملة لأوّل مرة منذ زمنٍ بعيد.. والدجاجة لاتزال تحتفظ بحبوبها لأيام قادمة حاضنة فراخًا واعدةً.. والزيتونات زيتيّات هذا العام.. لا يمكن إهمالها.. رافقها الزيتون منذ الصغر.. وورثت عدّة شجرات الأرملة.. رعتها بيديها وروحها.. وخاطبتها همسًا وجهارًا.. وطالما حكت لها نوادر وأقاصيص.. وشجّعتها على النمو وكانت شجراتها تستجيب.. وأقسمت لمن كان الى جانبها أن في الزيتون ملاكًا حاميًا يخاطبها متى شاءت وشفيعًا شافيًا .. لذلك كانت حريصة على الزيوت المستخرجة.. قائلة ان في الزيت قداسة لا تهملوه.. وكانت بقناعةٍ تقول أن الزيت رمز للذات..
كلّ ذلك.. وكلّ اهتماماتها اليوم تصبّ على معالجة هذا الداء المستعصي.. الذي يمتنع عن المغادرة حتّى انه زادها رغبةً بالمغادرة ان لم يفارقها.. لعلّ هذا الحكيم عنده الحكمة في ايجاد الحلّ.. وإلّا فلتحلّ وتفسح مجال الحياة لهؤلاء الأصحاء.. وكفى..
*****************
واصلت المسير.. بذلت الجهد.. جلودة، لايضنيها تعبّ، عنيدة الإرادة، أعتادت الشقاء.. والمستوصف ما كان بعيدًا لولا آلام الليل، وهي التي قطعت المسافات الطوال وتسلقت المرتفعات وتدرّجت الصخور.. ولان هذه البلاد لا تقطع ولا ينقطع المرء فيها أبدًا.. تتوقف سيارة تقلها خلال دقائق الى باب الحكيم.. ومن الباب وجدت من يسعف في اسنادها ويخاطبها يا جدّتي.. ولم يتوانَ الموجودون عن افساح المجال لتتقدّمهم.. والدكتور جاهز..
وراح الدكتور يجري طقوسه المعروفة.. إلّا ان المشهد الخارجي كافٍ لكشف حالتها.. استجابت واستلقت وتنفست وتنهّدت حسب التعليمات.. أجابت بما تعرف عن أسئلته.. بدت بشاشته مريحة في مواجهتها.. وأخفى عنها قناعته..
وراح يسأل الممرّضة عن وضعها علّها تعلم..
طمأنها.. كلاميّـًا.. والمخفي أعظم..
كان مقتنعًا ان الكلام معها لن ينفع..
والأمراض الخبيثة لا علاج لها في حالة هذه العجوز..
لعلّه قادرٌ على وقف الآلام.. والموت رحمة..
ومن الآن والى أن يسمح العمر لا بد من وصفة..
طمأنته يا حكيم معي المال اللازم لشراء مايلزم..
وكلّ مال الأرض لن يشفيها..
وما تملكه من مال تجاوزته الأيام..
ولكن الحكيم حكيم والوصفة وصفة..
لا عليكِ يا ستّي ان شاء الله ستشفين..
كتب على ورقته الوصفة السحرية التي غالبًا ما ينتظر نتائجها المرضى .. أنه موضع ثقة.. وكلامه لا يتكرٌر مرتين.. وورقته مقدّسة.. هكذا قالوا عنه.. والرب الشافي..
*****************
سلّمها الورقةَ.. قال لها تأخذين منها ثلاث حبّات، صباحًا وظهرًا ومساءً.. حفظها الناس جميعًا.. حتى هي التي ما تناولت الأدوية في حياتها باستثناء تلك الأبر الفرنسية التي اعتمدوها لمكافحة الأوبئة.. ولم تكن تستطيع رفضها.. كانت بعمر قادر على استيعاب المطلوب والاقتناع بالكلام العلمي..
ولم يخلُ الأمر من مؤاذر يوصلها على الباب ومن ثمّ الى أي سيارة مارّةٍ.. الحياة لا تخلو من الأوادم..
غادرت تاركةً خلفها الحكيم في حيرته.. ما الحلّ يا ترى؟
راح يستعين ويستجير بالمحيطين به.. ويقول غاضبًا انها على شفير ان تغادرنا قريبًا.. يعني وضعها الصحّي خطر لا نعرف متى يتوفاها الله.. في اسبوع اسبوعين.. بلّغوا من يهمه الأمر.. وعسى ان يخفّف العلاج عنها آلامها.. فالآلام هي الأهمّ ..
ولم تفارق تفكيره ولا مرة منذ معاينتها..
ومضت ايّامٌ وأيّامٌ.. ولم يسترح فكرُ حكيمنا .. وبعض الأطباء حكماء.. والحكيم أهم من الدكتور.. منهم من يشفي بكلمة ومنهم من يشفي بنصيحة ومنهم من يشفي بالماء ومنهم من يشفي باللمس.. ومنهم من يشفي بابتسامةٍ... هكذا كانت تقول تلك الصبية الجميلة التي سردت على الطبيب وشردت بين يديه لانه كان يشفيها بطلّته فقط..
****************
.. والحياة لا تتوقّف.. الأيام تمرّ سريعة.. والطبيب على نار..
نار الشعور بضرورة ايجاد حلّ لتلك المسكينة.. ولأوّل مرة كان اهتمامه يفوق العادة.. يسأل الممرضة المساعدة بطريقة عرضية مفتعلة تجنبّـًا للوضوح في أعلان المواقف.. ولكن الشيء الوحيد الذي لم يستطع اخفاءه هو ما سمعه المحيطون به أن هذه العجوز تشعّ بالقداسة.. وتضفي على الأجواء شعورًا شبيهًا بالأحاسيس اللذيذة التي تلفّ الانسان الزائر في حضرة الأديرة القديمة أو المعابد التراثية.. وكان هناك من يلاحظ لجوءه عدّة مراتٍ الى الملفّ للاطلاع والتحقق من اسم تلك المرأة..
لم يتوانَ أخونا عن ابداء الاهتمام العلني، سائلًا موظّفي المستوصف عن مصير التي احتلّت حيزًا بارزًا من تفكيره دون معرفة الأسباب.. ولكن لم يحظَ بالجواب الشافي.. وراح يستفسر عن امكانية معرفة عنوان السكن، فأفادوه بمكان الحيّ دون تحديد.. وما اكتشفه انه لم يسجّل وجود وفاة والّا كان الأمر قد ظهر للعيان..
******************
ذاك اليوم..ما ان انجز وقت العمل، صمّم تحويل سيره باتجاه عنوان الحيّ الذي أشاروا اليه.. مصطحبًا إحدى العاملات كالعادة، وما أن أشارت المرافقة إليه بالتوقّف للسؤال عن العجوز، أوقف سيّارته وأركنها جانبًا وترجّلا وسارا بين خطين من أشجار الزيتون، وتمتّعا ببيئة نظيفة بعيدة عن التلوث.. صحيح هو طبيب ولكن كم يتمتّع المرء بالشعور بفسحة ريفية.. مما أثار الرغبة بالمشي الرياضي.. ألا انهماأطلّا على ثلاثة أطفال يبدو عليهم الراحة والفرح يلعبون في مساحة من الارض.. امام بيت قديم جدًا مفتوح الدرفتين، اقتربا منهم يسألانهم عن هذه القديسة التي شغلت اهتمامه.. "وين التايتا عمو؟" أشاروا الى البيت قائلين أن "هذا بيتها وهي هناك بالحقلة"..
بدت الدهشة على وجه الدكتور الحكيم بل الصدمة الإيجابية.. دون أن ينبث ببنت شفةٍ.. ودون أن يظهر ما يعتمل في ذهنه.. والسبب لهذه الحالة التي وقع بها هو ان المرأة حية ترزق.. وكيف تكون حيةً.. وهي كانت في وضع يرثى له صحّيّـًا..
******************
دفعه الفضول لان يسترق النظر الى هذا البيت العريق الصغير، أول ما بدا له ذلك السراج الفخاري الزيتي الذي تتوسطه فتيلةٌ قطنية والمضيء بأنوار متراقصة مع كل نسمةٍ.. والمقاعد العتيقة المغطاة ببسط ذات الصناعة اليدوية التقليدية المتعدّدة الألوان.. وعلى الجدران بعض الصور الفوتوغرافية التي يشغل مساحة كبرى منها شاربان منتصبين كالنسر المجنّح..
حوّلا نظريهما باتجاه الحقل.. القابع تحت سماء نظيفة متجلية تحلّق في فضائها غيمات بيضاء تتهادى بطيئة من الغرب الى الشرق.. ترتفع فوق أجنحة طيور خفّاقة.. وهناك تواصل الشمس بأشعتها اللطيفة مسيرها باتجاه البحر وتلوّن زرقته بمتدرّجات متسلسلة من الأصفر والليموني والليلكي.. فيما تتجمّع الأشعة عند محطتها الأخيرة هناك عند الأفق البعيد الذي ستصله بعد ساعات..
تنسّما هواءً نقيّـًا.. وسرّا بمحيط من الحنان تحت أقواس حجرية تاريخية منحنية.. وراحا يحثّان الخطى نحو المكان الذي أشار اليه الأطفال الثلاثة.. بين أشجار الزيتون وغمرات الغرسات الخضراء التي تلفّ جذوع عتيقة مجدولة لا تتشابه أبدًا.. وأدركا وجود العجوز المعجزة..
*******************
لم يتلكّأ حكيمنا بأناقة طقمه المكوي وقميصه الابيض المنشى وياقته الثمينة وحذائه اللماع.. من أن يطأ التربةَ الزراعيةَ ويضطرّ لان يطأطيءَ الرأس أحيانًا لتلافي غصون الزيتونات المجدولة برفقة تلك المساعدة الصبية الفتية التي لا تختارإلّا الألوان الفاتحة لملابسها.. مما يجعلها حريصة على تجنّب ما يمكن ان تسببه التربة البنيّة.. ومع حرصها على مرافقته حتى النهاية.. رغم الكعبين اللذين لا يمكن ان يسلما من رمل البساتين..
وها هي تبدو لهما شيئًا فشيئًا.. بشعرها الأبيض الذي يطلّ من تحت غطاء الرأس.. ولباسها الرمادي.. تستند الى جذع شجرتها العزيزة بين شجرات كثيرة كثيفة مستجيبة لرغبة التيتا بالخصب والخير..
وكلّما اقتربا كان صوتها الذي يرندح بالعتابا والميجانا ويصدح بالمواويل البلدية الخارجة من القلب ومن شفتين وحنجرة أضعفتها الأيام.. يتسع ليغمر آذانهما بمعاني الذكريات المستدعاة من عمق الزمن.. وكلّما أطلقت الصوت بأغاني "أبو الزلف" تبدو كأنها تخاطب الغصون الكثيفة المبشرة بموسمٍ واعدٍ..
ها هي تحمل في يسراهاغصن الزيتون تطرد من تسوّل لها نفسها من البعوضات الاقتراب لاقلاق راحتها.. تضعه جانبًا وتتناول كوبًا لا بد انه مملوء بالشاي.. فرشت على الأرض بساطًا ملوّنًا وضعت عليه ابريقها وصحنًا ممتلئًـا بحبوب الزيتون ووريقات شتلات النعناع ورأس بندورة بلدية من انتاج الارض إيّاها لا يشك الناظر بنكهتها الفريدة الأصيلة.. الى جانب خيارتين بلون أخضر أصلي.. والوجبة الأساس كاسة من الصعتر المحلّي والزيت البلدي الأصيل ولم تخلُ المأدبة من صحن اللبنة البلدية الناصعة البياض المغرق سطحُه برشة الزيت العزيز اللذيذ..
يكفي ذلك المشهد ليشدّ الزائرين باتجاه المزيد من الفضول.. فضول الحكيم بمعرفة مصير مريضته.. والفضول لهذه الجلسة الرومانسية في أحضان الحبيب وسط بيئة زراعية فطريةٍ جاذبة لهؤلاء ممن ضيّقت عليهم أوضاع المدن أو الأحياء الكثيفة السكان بازدحامها وتلوّثها.. وامام ذلك لم يندما على المجيء بل صارا ينظران بعين الرضى الى بيئة ندر نظيرها..
*******************
عوامل جذب لاسلكية تسحبه سحبًا باتجاه المنحنية..
هو النقاء أوالصفاء أو الطبيعة المعطرة برائحة التربة
هوالعشب الغضّ ناشرًا خضرته ريحًا كالروح..
نسيم الصعتر أو النعناع أم البخور..
سكون هاديء.. وزقزقة تعزف حوارًا ونجوى..
كلّ ذلك كاد يخرجه عن هدفه.. لو لم تهمس المرافقة ..
لو لم يقترب من العتابا والميجانا..
ووجمت العجوز متفاجئة.. حكيم حكيم يا حكيم..
شو هالزيارة الحلوة! أهلاً يطول عمرك يا آدمي..
قالوا لي ولمست بأيدي تسلم تسلم إيدك..
كان صوتها لا تشوبه شائبة.. غير تواقيع السنّ..
لم يكن بحاجة لكثير من الشرح ليدرك انها بصحّة جيدة
فكّر.. لعلّ الدواء أعطى مفعولًا ناجحًا منجّيـًا..
اهلًا يا بنتي.. لمّا شفتك حبيتكِ.. الله يوفقكِ من عنده..
تفضلوا تفضلوا.. وأشارت الى كرسيين من القش منخفضين..
وفضّلا ان يجالساها ليكونا بمستواها..
نعم هناك ذهول مفرح.. وسرور مبهج..
وطلع عن صمته سائلاً كيفكِ ياست "لبنى"؟
هكذا ورد اسمها في الأرشيف الأبجدي القديم..لا يعلم أكثر..
*******************
تنهّد صاحبنا وعبّأ صدره بشهيقٍ عميقٍ مفعمٍ بعطر الصعتر والزيتون.. وراح يتفحّصها بتأنٍّ.. صحيحة!! خير مما كانت عليه ذلك اليوم.. ولم يبق له إلاّ أن يسألها مستدرجًا:
-كيف الصحة يا خالتي؟
أجابت باستطراد واسهاب:
- يرحم أمواتك الرب يكثر من أمثالك، حسيت قبل ما أقصدك أنك حكيم شاطر.. والاّ كنت استغنيت عن الطب كلّه.. ورقتك يا حكيم أصابت وخلصتني من الأوجاع.. وكما ترى نعمة من ربنا، تفضلوا كلوا معي زيتونات تمجّد الخالق..
سألها:
-كيف كان الدواء؟ فادك؟
-أي دواء؟ الرب يحميك ورقتك الشافية!!
بدا له ان سوء التفاهم طبيعي مع هؤلاء العجزة..
-كيف شربتِ الحبوب ؟
أجابت بتظهير الفهم والتجاوب:
-أخذت كل ما كتبته بالورقة على الآخر.. وكما قلت حضرتك ثلاث مرّات في اليوم.. والله من أوّل يوم حسّيت بتحسن.. أوّل يوم مزقت منها قطعةً كبيرةً حتى تعطي المفعول الأكبر.. وحتى اقدر ابتلعها لفيتها بقوّة، وكتّرت من الماء.. وبعدها شربت زهورات ساخنة.. وفي اليوم الثاني صرت صغّر الورقة وتبتلع معي بسهولة وفي اليوم الثالث كدت انسى آخذ الورقة لو ما الرب نبّهني وكان في القطعة كتابة قوية نفعتني كثيرًا.. وبقيت هكذا الى ان انتهت الورقة على الآخر.. كنت أحاول ترك قطعة منها احتياط للمستقبل انما نسيت.. واتكلت عليك تكتب لي غيرها اذا اضطررت.. وانا ما قصّرت من ناحيتي ضوّيت شمعة بين يوم ويوم.. ونشكر الرب وتسلم يديك يا حكيم.. والحكيم لازم يكون عنده حكمة، ما كلّ واحد عنده ايّاها..
*******************
اندهش صاحبنا مذهولاً .. وشعر بنفس الشعور الذي شعره مرةً في أحد المعابد التاريخية الذي رغبت عائلته أن تزوره.. والغرابة الأكبر أنّه طبيب متعلّم مطلع على كثير من الدراسات الحديثة ولم يقصّر بمتابعة آخر اكتشافات العلماء وبكلّ الوسائل الممكنة حتى لو استدعى الأمر السفر الى أقاصي الأرض ولو في الصين.. تلفت الى الممرّضة المذهولة التي كاد شعرها يقف من شدة القداسة التي شعرت بها.. وبدت عيناها تهمّان بذرف الدمع.. وراحت تتجنّب الانكشاف بالتلفّت الى البعيد، وتتحوّل الى غيمة بيضاء تتهادى محلّقة فوق الرؤوس.. وأشعة الشمس ترسم انوارًا وتحيك أفياءً..
وقبل أن يستيقظ من ذهوله.. بادرتهما بالقول:
- احتفظت لك يا حكيم بزيتون مكبوس على يديّ مقطّف حبة حبة.. وقلت لن يأكله إلّا انت..
- لكن كيف صحيّت..ي؟؟
- بفضلك يا حكيم والاتكال على الرب.. لا يموت الانسان الّا في وقته.. أو اذا كان مقتنعًا بأنه ما عاد لازمًا في الدنيا..
وكاد أخونا يخرج من ثيابه.. ورفع الصوت مستذكرًا ما كان قد سمعه في يوم من الأيّام: ايمانكِ شفاكِ ايمانكِ شفاكِ..
قاطعته: الحياة قناعة يا ابني.. وانا بعدني لازمة..
التفتت الى الأطفال.. اسمعتهم صوتها: صار وقت الدرس لا تكونوا مثلي أمّية لا أقرأ ولا أكتب..
انتصبت وأحاطت بساعديها جذع شجرة الزيتون وقبلتها..
الفصل الأخير
*******************
"باركينا يا خالتي يا ""لبنى" باركينا انتِ "
"مباركين مباركين موفقين موفقين.. يفرّحنا منكِ يا بنتي.."
خرج الحكيم من المكان قبل ان يخرج من طوره.. حاملًا هديته الثمينة.. وانسحب بكثير من الهدوء والبطء بسيارته..
مساءً.. لأول مرة كان الحكيم يتصفّح مواقع الكترونية صديقة وغريبة.. وينقّب عن تفاسير وتجارب حول العالم.. ويخطّ الملاحظات اللازمة المحيطة بالموضوع.. ويبدي تجربته المدهشة..
____________________________________________
سكت الراوي.. ونزلاء السهرة الكبار قبل الصغار مذهولون بدورهم ومسحورون بحديث هذا الحكواتي وبالمضمون الذي الذي سمعوه.. ولأوّل مرة منذ فترة طويلة ارتخت سواعد الحاضرين بما تحمل من أجهزة وسائل الاتصال الالكترونية.. وقال.. اهتموا بالورق اهتموا بالورق فالورق يشفي.. ولا تغفلوا الحاسوب ..
( بيد : سعد ديب) يحيي القاريء