الخميس، 31 مارس 2016

اللباس بين الفتق والرتق

البنطلون بين الفتق والرتق
::::::::::::::::::::::::::::::::::::
   بعدما تبيّن لنا تلك العلاقة بين عناصر صناعة اللباس من حياكة وحبك ونسج، وبين نقيضها، لا بد من تناول عنصر الفتق المعادي للدرز والموازي لتمزيق البنطلون والألبسة.. علّنا نجد المزيد من الفوائد اللهجية اللغوية الناتجة عن دراسة هذه الظاهرة..
   استعراض الجذر "فتق" يؤدّي بنا الى ما يلي:
    
   أولًا: معنى فتق في معجم اللغة العربية المعاصرة فتق يفتق ، فتقا ، فهو فاتق ، والمفعول مفتوق• فتق الثوب : شقه ، نقض خياطته حتى فصل بعضه عن بعض { أو لم يرَ الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما } : وفتق السماء يكون بالمطر والأرض بالنبات . 

  معنى فتق في تاج العروس
فتَقه يفْتُقه ويفتِقه ومن حَدّيْ نصَر وضرَب فتْقاً : شقّه وهو خلاف رَتَقَه رتْقاً . وهو الفَصْلُ بين المُتّصِلين . قال الله تعالى : (كانَتا رَتْقاً ففَتَقْناهُما) قال الفَرّاءُ : فُتِقَت السّماءُ بالمَطَرِ والأرضُ بالنّباتِ . وقال الزّجّاجُ : كانَتِ السّماءُ مع الأرض جميعاً ففَتَقَهُما اللهُ بالهَواءِ الذي جعَلَه بينَهما..
   بدايةً، ارتبط "الفتق" بعملية ربّانية وكونية، تتراوح بين السماء والأرض.. وهي فصل بين متصلين..أولهما ان المفتّق يسعى الى الفصل بين لحمه ولباسه.. و(اللحم التحام).. 
  تاليًا، هل في نوايا هؤلاء الفتّاقين منحى كونيّ.. يا ترى؟ أو منحى ديني؟ وماذا في بواطنهم.. وهل البواطن تعبّر بالفيلولوجيا دون دراية العقل الواعي؟ الأمر متروك لأصحاب الاختصاص..
  وقد يكون الفتق بين القوم فترجع الحرب بينهم، أو اخصاب المكان،  وانكشاف الغيم عن القوم، وظهور قرن الشمس من بين السحاب، أو انفراجه السحاب، و سمن الماشية، والخصب وانشقاق الأرض بالنبات، والأمكنة متسعة اذا فتقت، بل هو الصبح نفسه، وقرن الشمس وعينها، ومشرقها..
   بعد هذا العرض من "المنجد"، نرى أن العملية متعدّدة الجوانب والنواحي.. فهي كل العناصر المجازية التي تتواصل مع الانفراج بين الأطراف الملتصقة.. بل انّ لابس  المفتق ساعٍ للافراج عن شيء ملبوس.. ويرغب بالفرج والانفراج بالذات..
  ويضاف اليه. تنقيح الكلام وتقويمه، ونطقه، لذلك فان إمرأة فتقٌ متفننة بالكلام، وحديد اللسان فتيقٌ..
   ولا يغرّنّ انّ مرتدي اللباس هو متفنن بالكلام بقدر ما هو يستعير التعبير بفتق الرتق.. بل يسعى الى النطق بفنٍّ مرئيّ ايمائيّ غير مسموع..
   ولنا ان نرى في الفتق هو اختلال في العيش، وهو الجدب، وقلّة مطر، وآفات ومرض وجوع وفقر ودَين.. وكلّ ذلك صحيح متى تحدّثنا عن الممزّق والمفتّق المرغم..
   ونحن احرار ان نتهم هؤلاء بالمجاديب، والمجدوب هو أصلًا من جدب الأرض.. وبالعكس ربما يسعى أحدهم للانجذاب نحو فكرة مميّزة، لاننا ما نزال نقول " تفتّق ذهنه عن فكرة أو حل.." دلالة على الابداع. 
   طيّب، لماذا وجدت العربية أن الفيتق هو الملك؟ طبعًا بسبب الايجابيات الواردة أعلاه.. ولا نستغربنّ ان الساعين نحو هذا الزيّ هم من الملاكين الاغنياء عمومًا، بل هم المروجين لهذا الزيّ.. مع العلم أن اللفظة الواحدة تتضمن المعاني المتناقضة في العربية وسواها من اللغات (بسبب الانقلابات بالمواقف والفلسفات والسياسة التي شهدتها البشرية عبر التاريخ..)
   على كلٍّ، ذلك دافع للعربي لادراك ماذا حوت لغته في طيّاتها أكثر مما في طيّات البنطلون الممزّق..

من الفتق الى الفتك:
   التقارب بين اللهجتين كافٍ لتعقّب المعاني اللازمة لمعرفة أبعاد هذه الأزياء المفتقة، وما تكشفه من بواطن الأمور..
   في القاموس، نجد أن الجذر "فتك"  يفيد الفتك بالعدو وقتله مجاهرة واغتياله والبطش به، وبالتالي فان الرجل اذا فتك فإنّه يكون شجاعًا مقدامًا يركب ما همّ من الأمور وما دعت اليه نفسه، بل قد يكون قد فتك بالخبث ومضى فيه وبالغ، أو مجن في سلوكه، أو مهر بصناعته، الى ما هنالك من المعاني المجازية التي تدور حوله..
  وهنا لنا أن نستنتج.. أن فتق البنطلون يعبّر عن كلّ ما أعلاه، وان الفتّاقين فتّاكون بطّاشون  مقدامون خبثاء مهرة.. في مواجهة عدو وهمي على الأرجح.. كأنّما الانسان قد حمل جيناتٍ عدوانيةً لم يتخلّص منها بعد..

الرتق:
   من الفتق الى نقيضه، الرتق.. بدايةً نجد أن الأرض والسموات كانت رتقًا.. ففتقتا..
   وكما سبق، نجد ان الرتق هو سابق للفتق..
   يا ترى، كيف كانت الأمور؟ في الرتق سدّ ولحمةٌ خياطةٌ وإصلاح البين، وانسداد والتئام الجرح..
  وإذا ذهبنا باتجاه الجنس فإنّنا نصادف  أنّ الرتق في المرأة هو التحام في الفرج يمنع من وطئها وهو من العيوب المجوزة لفسخ عقد الزواج، وتسمى رتقاء..
   لذلك، أمام ما تقدّم نرى في الفتق والتمزيق هو اعلان جنسي لدى المرأة عن امكانية الوطء والخلو من العيوب، عدا ما يقدّمه لنا الجذر "لحم يلتحم" من أبعاد تناسلية، بالاضافة للأبعاد الكونية والخليقة، تعود الى فتق السماء والارض..
   بل، في الفتق رفض للاصلاح والمصالحة بين المتباينين المتباعدين، لان الرتق خياطة.. مما يجر باتجاهات إضافية..

الخياطة:
   ماذا في الخياطة، النقيضة للفتق، ولهجة "خاط" كأنّها "حاك"، ولكن أول ما يتبادر على ذهن العربي الشرقي جملة "عايز تخيّط" التي تحمل معانيَ جنسية علنية.. وتتناقض مع  الفتق، كأنما الشرقي يسعى لرتق ما فتق..  نعم، في الامر أضداد تصب في نفس الاتجاه.. وبالتالي، قد يكون اللباس المفتق دعوة جنسية باطنية، لرتق ما فتق، ويسعى البشر للتعبير عنها كتعويض عن حرمان مكبوت، أو انفعال وإثارة.. 
    والجذر خاط  يبدأ بخياطة الدرع أي سردها، والدرع هي للدفاع والدرأ (لهجة من درع) ثمّ ينتقل الى خياطة البعير بالبعير، إذا قرن بينهما، أي ان الخياطة هي قران، وازدواج، وزواج، قبل أن يذكر القاموس ضم اجزاء الثوب الى بعضها بخيط، أما الذي خاط الليل والنهار ذاك الذي نشط فيهما ولم يخلد الى الراحة.. وكذلك فأن الحية اذا خاطت انسابت في الأرض بسرعة..  وكانما يجب أن لا تغيب الحية عن الموضوع، والحية معروفٌ رمزها في الميتولوجيا.. ونذكر أنه يمكن أن يستخدم هذا الجذر كما في خطّ يخطّ، أي كتب يكتب..