القمر
-------
هناك في الشرق.. أحبّ أحدهم الليل.. ويقال أن الذين أحبّوا الليالي هم كثرّ.. ويبالغ البعض فيرى أن شعوبًا بكاملها كانت تعبد الليل.. فنظّموا له طقوسًا وتقى.. رسخت في عادات وتقاليد وفلسفات.. فكان منهم من يصحو طوال الليل.. كمن ينتظر لقاءً.. ومنهم من يقيم الرقصات.. لانّ الرقص رقيٌّ.. يشعلون النيران.. يصطلوها.. لانّ صلي النار صلاة.
حسبوا لكلّ ليلة حسابًا.. ولكلّ حالةٍ حالًا.. وأبرز الحالات متى يحول القمرُ.. أو يكتمل، أو يهلُّ، أو يختفي بخسوف فيمّحى فيدعوه بالمحاق.. أو يختفي خلف غيم.. ولكل غيم في تلك الليالي أسم.. والغيوم سحبٌ.. وفي السحب حبّ.. وفي السماء العالية سماك.. والسماك عالٍ.. فإذا تلألأ في ضوء القمر كني باسمٍ، وإذا تكثّف كُـني باسمٍ آخرَ.. وإذا اسودّ سُوّد اسمه.. وهكذا نسجوا لليالي فلسفاتٍ وأقدارًا..
والنجوم! لا ننسينَّ النجومَ.. رغم صغرها، بل بعدها..كانت وما تزال تحمل هويةً.. وموضع رصد واعتبار.. فذاك أسدٌ، وذاك ثور، وذاك دبٌ أكبرُ، وذاك أصغرُ..
وكانت النجوم ولا تزال تحكي.. حكواتية.. مخبرات.. ومتوقعات.. منجّمات.. ولكلّ نجمةٍ منجّمٌ.. ولكلّ غيمةٍ توقّع وتوقيع.. ولكلّ ريحٍ نبؤةٍ.. هكذا الناس.
أمّا القمر، حدّث ولا حرج.. يرعى البشر.. ولا نغفلنَّ "رع" راعيَ الكل بل رائيهم.. إلٓه يلد ويولد ويتوالد أبدًا..
هو اللألأ واللؤلؤ.. هو النور والضوء
هو الذي آل دائمًا وآل كلّ ليلةٍ..
في تلك الليلةِ.. تناهى الى مسمعيّ.. وشوشاتٌ قادماتٌ من بابل الرافدية.. من الألفية السابعة الماضية.. كانت تدور بين صبيةٍ مراهقين.. محورها:
" انها ليليت الليلية المثيرة الجميلة زارتني ليلًا.. كما زارتك، انها السيدة السائدة الباقية عبر العصور.."
ثم انقطع الارسال.. وغابا عن السمع..!!