الاثنين، 21 مارس 2016

القمر
-------
هناك في الشرق.. أحبّ أحدهم الليل.. ويقال أن الذين أحبّوا الليالي هم كثرّ.. ويبالغ البعض فيرى أن شعوبًا بكاملها كانت تعبد الليل.. فنظّموا له طقوسًا وتقى.. رسخت في عادات وتقاليد وفلسفات.. فكان منهم من يصحو طوال الليل.. كمن ينتظر لقاءً.. ومنهم من يقيم الرقصات.. لانّ الرقص رقيٌّ.. يشعلون النيران.. يصطلوها.. لانّ صلي النار صلاة.

حسبوا لكلّ ليلة حسابًا.. ولكلّ حالةٍ حالًا.. وأبرز الحالات متى يحول القمرُ.. أو يكتمل، أو يهلُّ، أو يختفي بخسوف فيمّحى فيدعوه بالمحاق.. أو يختفي خلف غيم.. ولكل غيم في تلك الليالي أسم.. والغيوم سحبٌ.. وفي السحب حبّ.. وفي السماء العالية سماك.. والسماك عالٍ.. فإذا تلألأ في ضوء القمر كني باسمٍ، وإذا تكثّف كُـني باسمٍ آخرَ.. وإذا اسودّ سُوّد اسمه..  وهكذا نسجوا لليالي فلسفاتٍ وأقدارًا..

 والنجوم! لا ننسينَّ النجومَ.. رغم صغرها، بل بعدها..كانت وما تزال تحمل هويةً.. وموضع رصد واعتبار.. فذاك أسدٌ، وذاك ثور، وذاك دبٌ أكبرُ، وذاك أصغرُ..

وكانت النجوم ولا تزال تحكي.. حكواتية.. مخبرات.. ومتوقعات.. منجّمات.. ولكلّ نجمةٍ منجّمٌ.. ولكلّ غيمةٍ توقّع وتوقيع.. ولكلّ ريحٍ نبؤةٍ.. هكذا الناس.

 أمّا القمر، حدّث ولا حرج.. يرعى البشر.. ولا نغفلنَّ "رع" راعيَ الكل بل رائيهم.. إلٓه يلد ويولد ويتوالد أبدًا..
 هو اللألأ واللؤلؤ.. هو النور والضوء
 هو الذي آل دائمًا وآل كلّ ليلةٍ..
 في تلك الليلةِ.. تناهى الى مسمعيّ.. وشوشاتٌ قادماتٌ من بابل الرافدية.. من الألفية السابعة الماضية.. كانت تدور بين صبيةٍ مراهقين.. محورها: 
 " انها ليليت الليلية المثيرة الجميلة زارتني ليلًا.. كما زارتك، انها السيدة السائدة الباقية عبر العصور.."
 ثم انقطع الارسال.. وغابا عن السمع..!!

مي. الماء. اسطورة الماء

مــٓيّ -١-
::::::::
في يقظةٍ من الزمان، حطّت نقطةٌ، جازت أجواز السماء، من الأعالي حتى الأرض، كانت الأرض جافّةً حارّةً، تبخرّت.. فصعدت مجدّدًا الى السماك، ومتى انخفضت صارت غيومًا، هطلت قطراتٌ، سقطت.. فسقتِ الجفافَ، نبتت الأعشابُ، والأعشاب وِسْبٌ.. استسقتْ، تبخّرت، وأمطرتْ، فكانت سيولٌ،  والسيول جارفةٌ، خطّت مسيرها بين الوديان.. صارت نهرًا عظيمًا اجتاز قاراتٍ، روى القرى، فوصل البحرَ، والبحر ماء، سُرّ سكّان الأكنان، فرحوا سقوا واستسقوا، روَوا وارتووا، وتناقلوا الرواية من ذاك الزمن.. النهرُ هبتهم، عطاءُ الطبيعة للأقوام، نالوا منحتهم، فسمَّوه نيلًا، فكان النيل نوالهم العظيم في الأرض، كان يمتدّ ويتّسع ويفيض كلّما اشتدّت الحاجةُ لنَيْل الماء وتناوله فيناولهم..

مـَــي -٢-
:::::::::::::
.. وصار النيل معبودًا، والمعبود ضخّ ماءً عظيمًا.. ولّدَ.. فكان الماءُ مولودًا، عامَ طائفًا على وجه النيل، فسمّيَ ما بين كلُّ عومةٍ وعومةٍ  عامًا، وسمّيَ الميّ مسيرًا.. وصار الماء والمسير  هو المسّ والموسى،  ففيه ميُّ المسِّ.. كرّموا الميّ، عالجوا فيها الممسوسَ والممسوسين، بل استعانوا بالماء لمسّ الآخرةِ.. فالّين عبر الفلك، ليتلمسوا عوالمَ نائيةً..

صادفت أمُّ الأمّةِ هذه الميّ في أحد الأيام، واليوم يمٌّ،والأمّ يمٌّ أيضًا، جمعته في وعاءٍ وآنيةٍ، والوعاء وعيٌ، والإناء أنس أنَى، كان قد حضر ودنا منها واليها، فحفظت الأواني  والأوعية، حتى فصل الجفاف، فتستعين بالعون يعينها، فسمّيَ الماءُ المعينُ عونًا وماعونًا، أنه المعون المعين، ومصدرُ الماء عينٌ، والعين تدمع ماءً..وسمّته أمّ الأمّةِ باسم الغيث، كلّما استغاثت ليغيث المحتاج، وكلّمًا كانت تصلّي كان الماء يكثر ويتكاثر..

مَــيٌّ -٣-
:::::::::::::
.. ومتى تكاثر الماء قالوا نه "الكوثر"، وهو "ك. ثر"، هو شبيه الثر، و هو كوة الثر، والثرّ  يثرثر، وكان يخر عند اقدام الأم، ويهدر، فيسمع خريره وثرثرته.. كان يتكلّم الى الأمة، يدعوها لملء الأوعية والآنية للملأ، فاستسقت وارتوت، وما تزال روايتها تروى وتقصّ وتنصّ..لان الثرثر الثرثار يروي الأرض، ويروي الحديث، والحديث جديد وبشرى ولادة، والولد حدثٌ، والأولاد أحداثٌ، جدد، جدّوا فاستجدّوا عائدين الى الدنيا، هكذا الكلمة "ابن وبنتٌ" والكلمة تنفث من فم، وكل نفثة نفسٌ.. ولأنَّ كلَّ مسّ لمسٌ.. فهو اتصالٌ، وكلُّ اتصالٍ وصال، وكلُّ وصالٍ خلّاقٌ.. فكانت الخليقةُ..

إنّها الماء، انه الماء، الميّ الحي، منه كلّ حيّ.. انه النيل النيّ النيء، انه النون.
انه نانا ذاتها، انه الني ني، انه نونو، الحدث الذي أنى ودنا ونبأ وأنبأ ونبت من نانا، من أنانا، من إناة، من عناة، أم اليم، ام الميّ، السيدة المقدّسة، سيدةُ النعنع..
فسلام أيّا النيل
فسلام يا قلب الميّ، يا (لب نون) يا لبنان.ا.
فسلام أيّها الفرات، انت الثرّ والثرات والثروات..
فسلام ايتها الميزوفوتاميا، فاتما الماء، فاطمة المي، المرضعة، مرضعة الشعوب..
( بمناسبة يوم المياه العالمي. في ٢٣ آذار) سنة ٢٠٠٩