الأحد، 21 فبراير 2016

أول الغيث


أوّل الغيث



   قبضت الغيوم الغربية كفّيها واعتصرت الغيث المغيث، على حقول وبساتين فغرت افواهها مبتسمة  متلهّفة لخيوط الخير، منتظرة ارتواء.. 

   وهناك يدنو طائريحمل في منقاره قبسًا نورانيًّا، حطّ على كتف صنم آلهة الجمال فينوس، مرفرفًا مغردًا منشدًا قصيدة الفصول،  داعيًا للرقص والاقبال السريع على الغناء الغنّاء، والغناء غنى..
  ويلوح في الأفق شراع، شرّع جناحيه لطاقة الريح، يكاد يحلّّق على سواعد المويجات.. مقبل مبادر الى مرفأ الأمان.. وسابح يسبّح الآلهة يغطس ثلاثًا ويعوم ثلاثًا.. في عماد موسميّ إبّان تناول القطرات النبيذية الأولى من ملعقة الطقس والطقوس..
   انه مسّ مقدّس لا يفوّت..
  وهناك اجتمع الجمع يرقص، على انغام طرقات الأمطار السخية.. وأطفال عراة يغتسلون .. ونسوة تتراقص .. وحناجر تصرخ " الخير الخير.. البركة البركة".. وكاهن عند باب هيكله، نزع عمرته وراح يبخّر، وينشد اناشيد عتيقة، ويمسح على جباه الأولاد زيوتًا شافية مقوية.. وتعبق في المكان رائحتا اللبان والتربة الرياّن.. فتنفرج الصدور على شوق منتظر، أقبل في موعده الموثّق بأصابع الجدود..
    ما ان أفرغت أولى السحابات حبَّها على الطبيعة والناس ، تسللت من ثغراتها اشعاعات ملوّنة راحت تقترب متمايلة حينًا خجولة أحيانًا..
  ورفعت أكف البشر بفخر وفخار  الأوعية الفخارية، في بعضها جمرات وبخور.. وفي بعضها شموع منيرة.. وفي بعضها الآخر مياه طازجة وعطور..
  فرحوا وفرحن.. تبادلوا القبلات جميعًا.. وهناك خلف الدوح بعيدًا عن الأنظار كمن صبي وصبية يتواعدان سرًا.. لتنفيذ خطة ظنّاها مجهولة