الجمعة، 13 أبريل 2018

بين الاسرة والأسر

  الأسرة والاسر
  مما يثير التفكير تلك العلاقة الفيلولوجية واللهجية بين الكلمتين العربييتين "الأسرة والأسر"، لإن هذه العلاقة لا يمكن أن تكون عفوية أو عرضية، بل لا بد من أن تكون أصيلة في تراثنا العربي، أسوة بتأسيل كل الكلام الذي يحمل الأبعاد الحضارية أو التراثية أو الميتولوجية او الأسطورية، وتبقى حيّةً في الوجدان الشرقي العربي طويلًا، الى أن تصل إلينا في العصر الراهن لتكشف أسرار تاريخنا الانسروبولوجي، أي الانساني...

   ويستمرّ هذا الهمّ يتفاعل كلما قرأت قولًا له علاقة بالأسرة،  على سبيل المثال ما ذكره جبران في كتاب "النبي": (أبناؤكم ليسوا لكم، أبناؤكم أبناء الحياة)؛ بل أكثر من ذلك تلك الآية (‫يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(14)إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(15)...‬
‫   ‬
‫  ومن المعروف، أن الأزواج والأولاد هم العناصر الأساسية  التي تتألّف منهم الأسرة... والتحذير القرآني يصبّ بالتراث البشري المكتشف لدى كثير من الشعوب القديمة والقبائل البدائية، التي طالما تحدّث عنها المكتشفون كالجزر البولينيزية وغيرها من القبائل العريقة في التاريخ، التي أتى على ذكرها كثيرٌ من البحاثة نذكر منهم مورغان وانجلز وفرويد ويونغ وغيرهم.. الخ.‬
‫  ‬
‫   فلماذا هذا التشكيك بأعضاء الاسرة؟ بل ما هي تلك العلاقة بالأسر؟‬
‫   لعلّ الأمرَ مرتبط بالأسر، حيث أن العائلة تأسر الأبناء والأزواج، فيسعَون للتحرر منها... وبالتالي يجب الحذر منه، كي لا تتحقق النبؤة ويمارس العداء ونتائجه الكارثية المتوقّعة؛ وكلنا ندرك أن  التحرر من الأسر دلالة لوجود سلطة حاكمة ومتحكمة، بل سلطة متسلطة، تفرض إرادتها وقوانينها على الجماعة والأعضاء؛ طبعًا نحن ندرك انها علاقة ذكورية، وصلت الى مرحلة باتت هي المالكة المطلقة على العائلة، والمتملكة للبشر من أزواج "زوجات"، وأولاد "ابناء"، ومتملكة للأرض وما عليها من نبات وحياة وحيوانات، وكل ذلك بحاجة لأيادٍ عاملة، وخاصة أيادي الأولاد، بالاضافة الى حصار الأنثى الولّادة، منعًا لخسارة الابناء العاملين والعاملات..‬
‫  ‬
‫   إذًا، فإنّ الإسرة أي العائلة، عبر التاريخ البشري، هي حقًّا أسرٌ وسجنٌ ، وأعضاؤه هم أسرى في تلك الاسرة... ويخشى من أعضائها العمل على التحرّر... عبر اللجوء الى العنف أي الخطر على الآباء الحكام،  كما كان يحصل في الماضي ولا يزال يحصل  في الحاضر...‬

‫  وتمضي الأيام وينجلي لغز العلاقة بين الكلمتين، من الناحية اللهجية التي تهمّنا، لدى مطالعة كتاب "الأنثى هي الأصل"،  للدكتورة "نوال السعداوي" التي لفتت النظر الى اللغة المحفوظة في طيات قواميس اللغات العالمية لاسيما اللاتينية، فتكتب ما اكتشفته بخبرتها: "كان من حق الرجل أن يقتل كما يقتل عبيده في العهد الأوّل لإنشاء الأسرة الأبوية، ولم يكن أحد يسأل عن السبب، وكان من حق الرجل أيضًا أن يقتل أطفاله، فقد كان هؤلاء ملكًا خاصًا للرجل كقطعة الأرض، التي يملكها، وله حرية التصرف بها، وكانوا جميعًا يسمَون بالعبيد (الأطفال والنساء الذين يملكهم الأب)...‬

‫  وتأتي د. السعداوي الى اللغة لتقول عنها: "ان كلمة أسرة family في أصلها اللاتيني جاءت من كلمة familia ومعناها عدد العبيد الذين يملكهم رجل واحدٌ. وفي العصور الوسطى لم يكن حال الزوجات بأحسن من هذا، وكانت مخالفة الزوجة في اي شيء تعتبر نوعًا من الجنون أو السحر والاتصال بالشياطين...الخ".‬

‫   واستنتاجنا ان اللغة العربية، كانت ولا تزال لافظة حافظة الحق التاريخي والتراث البشري على حقيقته، وليست اللغة اللاتينية فقط، وعلى الأقلّ، علينا ان نقر ونستنتج، أن العقل البشري واحد، من الشرق الى الغرب وصولًا الى الجزر البولينيزية...‬

‫   وهنا لا بد من التوقّف عند العلاقة بين الألفاظ التالية:‬
‫  الملك، والتملّك، والملكية (ضم الميم) والملكيّة (فتح الميم).. ‬
‫  أي أن الرجل الذي تملّك الأملاك (الأرض وما عليها) هو الذي تمكن من تملك البشر وملك عليهم.. ‬
‫   أكثر من ذلك، لم يبقَ الرجل الذكر ملكًا على الاسرة فحسب، بل أصبح هو نفسه "الملاك" في السماء... وهذا الأمر له قصة يلزمها البحث المعمق بها... كما يجب البحث بالعلاقة الميثولوجية بين الأم والأرض... إذ طالما أطلقنا على الأرض تعبير (الأرض الأم، والوطن الأم واللغة الأم، وأمنا الأرض..) مما يعني أن الأم المملوكة كما هي الأرض المملوكة.‬