الثلاثاء، 22 نوفمبر 2016

بين القلم والورقة
--------------
   عاشقان.. منذ وجدا.. ما استطاعا ان يفترقا.. عندما كان القلم وحيدًا طمر رأسه بالطين.. فرأسه عاجزٌ عن العيش دون أن يعمل.. البطالة عدوّته.. بقي هكذا مقطوعًا من شجرة.. الى أن وجدها.. بردية.. برّدت حرارته.. امتصّت هياجه.. تلاصقا عشقًا أبديّـًا.. وترافقا وتزاوجا.. والزواج جوازٌ..  والحبّ مبدع.. ولاّدٌ.. ولا يحول بينهما حائلٌ..  ووثاق الحبّ لا ينفصم..  
   ولان غريزة البقاء راسخة في الكائنات.. عبّرت عن نفسها وتجلّت بالولادة.. تناسلت لأجيالٍ وأجيالٍ .. خلقت واصطَفَت..  وورّثت  خير صفاتها.. هكذا الحب.. تراكم الجمال، تراكم الحسن، تراكم العلم، تراكم الفهم.. وأجيال تجمّلت وأخرى تعلّمت.. ولفظت الدنيا عنها الغريب وأورثت السليم وتحسّن النسلُ.. قفزت أجيال الأقلام والأوراق قفزات نوعية نحو التطوّر.. 
   عمّرا طويلًا وعمّرا حضاراتٍ  ورفعت عمدًا وجداراتٍ.. حمت شعوبًا ودُمّرت أخرى.. وهما أحباب متزاوجان لا يفترقان بينهما حبّ ومداد وحبرٌ خلّاقٌ  متنوّع  الالوان ..
   أيّ إبداعٍ هذا!
   ذاك الإبداع الذي لم يتوقّف.. أراحهما.. والمواليد يريحون الأهل في آخرتهم.. 
   وها هو الزمن الذي حلّ اليوم ليمهّد الراحةَ للعاشقين ، الأبديين المتقدّمين بالعمر وباتا أحوج الكائنات لان يركنا الى مخدعما.. ولأوّل مرّةٍ سيعودان الى مخدعهما دون أن ينسجا حروبًا جديدةً.. أو سلامًا جديدًا.. فقد إطمأناعلى انتشار العلم الذي أسّساه معًا.. وصار بين أيدي التاريخ أجيال مدركة واعية.. فلتتحمل مسؤليتها كاملة.. وإذا أخفقت أحيانًا فقد أورثاها إرثًا عظيمًا فليعودا الى مراجعته..
   وبعد عمرٍ طويلٍ  ستجدون عند أحد الأضرحة شاهدًا صخريّـًا يشهد على تاريخ مديد لن ينكره أحدٌ مهما تقدم الزمن..
   قفوا أمامه وترحمّوا على دورٍ عظيم انجزاه.. واحرصوا على ميراثٍ باهظٍ ولا تضيعوه.. ففي أيديكم اليوم وغدًا مُكاتِبٌ دافيءٌ  وحافظة متنوّعة الاشكال والخدمات.. فما عليكم إلاّ أن  تعيشوا سلامًا.. هذه وصيّةُ الإقلام والورق وسيل من مداد ملوّن حبّر حقباتٍ مديدةً من السنين!!
   
بقلمي٢٠١٤

النور المتسلل

...هناك، كان النور يغفو في كوخ صغير؛ كان يتمتّع بالراحة المديدة، كل شيءٍ مغلق، يحجب عنه العالم، كلّ العالم  الخارجي،  كان يحلم، يحلّق في فضاءٍ فسيحٍ عميقٍ عميمٍ، كان يحلم بطيورٍ مجنّحة في زرقة سماء، تحت بياض غيومٍ، تسبح على ريش ريحٍ رطبٍ.. هاهو من روؤس أمواج الى قمم جبال، يندّي الزهورَ وأفناناً غضّـةً، وبراعمَ وأوراقًا..
   كان النور يحلم.. والأحلام جميلة، ترفرف.. تعلو الحجر والبشر والحيوان والغاب.. يحلم بنسيم.. يقفز من عطر زهرة فواحٍ الى أنف صبية.. النور يرغب، النور يحبّ، النور يشمّ..

   عندما تفتّحت أكمام زهرةٍ عن وريقاتٍ حمراءَ قانيةٍ..
   عندما هبّ بعض النسيم يحملُ  عطرَها،  ويحرّك بعض منافذ الكوخ،  وما أن قدر النور أن يتثاءب، راح يطلّ برأسه عبر شقوق وثغور على الحقول والبساتين.. منتشرًا بسرعةٍ هائلةٍ.. يلوّن كلّ شيءٍ بألوانٍ بديعةٍ ملائمةٍ.. لوّن  رقيق أوراق الشجر بالأخضر.. لوّن الغصونَ.. لوّن الجذوع.. لوّن التربةَ.. وحلٌق يلوّن السماءَ بالأزرق.. فنانٌ أفلت من عقاله يختار لعناصر العالم ما تستحق من مشاهد وتعابير..

   ...فيما كان أخونا النور.. يشتم العطور..  والريحان.. والعبق.. كانت فرشاته تتراقص مع حفيفٍ  مع خريرٍ مع زقزقةٍ  مع رفرفةٍ مع تنهيدةٍ .. مزج لتلك الزهرة خيارًا جاذبًا.. بعض الأحمر.. بعض الأخضر.. مع بعض الطل.. وندّى خدودَ شذاها بالليلكي الليليّ المتلأليء حالمـًا كما النجوم الغافلة.. في ليل الأحلام..
   ..وهكذا همّ ينشرُ الفجرَ.. فجر الأنوار.. تسلّل عبر زجاج تلك النافذة، عبر ستائر مخرّمة..  وحطّ على خدين..
   ..الخداّن والوجنتان.. كلاهما مباركان.. بالأبيض بالقرمزيّ..  واستغرق زمنًا يخطّ  ويضيف ويصبغ ما شاء له تلك الشفتين.. والنور يكحّل كما ينير!.. فتسلق الى الجفنين يكحّلهما بسوادٍ حالكٍ.. وذاك الشعرُ.. فيه من النور ما يكفي.. بل فيه من النسيم ما يرفّ ويفرح..

   حدّق النور بها.. فتية.. صبية.. هنية.. أيقظها حلم الصباح.. وانتصبت تتحقّق من ذاتها.. وذواتنا في المرايا.. ومرآتها الى جانب نافذة.. وحطّ  طائر النور على ثوب النوم.. ملاصق.. تقاسيم.. تضاريس.. صناعة الأنوثة إيّاها..
  النور متسلّل.. عبر الثنايا.. من خروم الأبر.. خارقٌ للنسيج.. حتّى كاد يظهر.. جسد غضّ يطلّ من الشفافية .. من الحياكة..
   أدركنا.. النور يتنشّق.. والجيد معّطر ناعمّ.. والجيد حريريّ..  والفتيات اناث مراهقات.. والمراهقات جاذبات نور الذكورة.. والنور كما يبدو ذكر ذكر.. وهنّ يحببنه، يرغبنه، يردْنه!

الأحد، 20 نوفمبر 2016

بين القمر والقمار

ما العلاقة بين القمر والقمار؟  
لطالما تساءلنا عن تلك العلاقة اللهجية في لغتنا العربيّة؟ سيما وان لغتنا تمجّ المقامر بكلّ أشكالها، منذ عهود المقامرة على ثياب المسيح المصلوب، مما يعني ان هناك سببًا لا تستطيع كشفه إلّا الفيلولوجيا، بالذات المشرقيّة، بالاضافة الى التراث الميتولوجي والحضاري!!
   من المعروف أن للقمر علاقةً وثيقة بالشهر...
   من المعروف أن القمر كان موضع تكريم، فهو النور اللطيف في الشرق بالمقارنة مع أشعة الشمس الحارقة...
     من المعروف، أنَّ الشهر سمّي شهرًا من الجذر "شهر" يشهر، أي أعلن يعلن، ولا يمكن إعلان الشهر إلّا من كان ذا قدرة ونفوذ، كالملك والكهنوت.... 
   وكان العامّة يراهنون على ظهور القمر، كلٌّ منهم حسب حساباته الخاصة ورؤيته، وتنجيمه (من نجم)، وكان لهذا الأمر، علاقة اجتماعية واقتصادية.. إذ يكون لصاحب الدين علاقة باسترداد دينه في أقرب وقت، والمديون له علاقة بتأخير الدفع.. وكلُّ ذلك مرتبط بمزاج الملك والكاهن المكلّف برصد ظهور الهلال المنتظر...
   والعامّة من جهتهم، قد يراهنون على ظهور القمر واعلان الشهر، مما يسبّب ربحًا أو خسارةً..
  من هنا حفظت اللغة العربية المضمون المنقول عبر ألفيات وأزمنة طويلة.. منذ بابل العظيمة.