المرأة والتغيير والأيديولوجيا لعّل قلة من الناس وخاصة الذكور منهم، يؤمنون أن
العالم يسير في هذا العصر باتجاه مخالف كليّـًا لما سبق حلوله في الماضي السحيق،
عندما سيطرت الأيديولوجيا الذكورية على المفاهيم البشريّة... وتحوّلت الأنثى من
موقعها المقّدس الذي كانت تحتله الى مكانتها الأخرى الملحقة بالرجل، خلافًا للواقع
الطبيعي الذي يجب أن تكونه، ذلك لأنها البطن الحاضن للبقاء واستمرارية الجنس
البشري، كقانون طبيعي لا يمكن اسقاطه في خدمة الفردية أو الآحادية الذكورية
مطلقًا... فالذكور كلّهم من بطون الأمهات شاؤوا أم أبَوا... والبشرية بكاملها من
نسل الجنَسين معًا. ما الغاية من هذا الكلام؟ الغاية، هو أنّ هذا التحوّل الذي فرضه
التطوّر التاريخي البشريّ، لأسباب اجتماعية واقتصادية، هل يمكن له أن يخدم مستقبل
البشرية في هذا العالم المتطوّر الراهن؟... ذلك، لأنني أرى أن التحوّلات التاريخية
الاجتماعية عبر الزمن، والتي كانت في الماضي ضرورة فرضها تطوّر نمط الانتاج
المشاعي، وما رافقه من اكتشافات في الزراعة والرعي والصيد، أدى كل ذلك الى سيطرة
الذكورية على الاسرة والمجتمع، والحدّ من الحرية الانثوية لتحقيق هدف تملّك الأبناء
والأخلاف، وتوظيفهم في العملية الانتاجية، والدفاع عن النفس في مواجهة عوامل
الصراعات العشائرية بالاضافة لعوامل الطبيعة التي تتطلّب، الجهود والقوى اللازمة...
على كل حال لسنا بصدد البحث الانثروبولوجي الكامل عن الاسباب التي أدت الى فرض
الذكر سلطته على المجتمع.. ولكن نستطيع الجزم، انّ كل سلطة بحاجة الى سلاح فكري أي
"أيديولوجيا" يفرض من خلالها توجيه المجتمع، ويحدد العدو والصديق.. وبالتالي يقمع
الآخرين، وفق محاكمات وافتاءات تنطلق من واقع المصلحة الاجتماعية، وتطّور المجتمع،
والانتاج، وبالتالي انماط الإنتاج الاقتصادي. وهذه الأيديولوجيا، وكل أيديولوجيا،
ليست سوى سلاح ضد الآخرين، وهؤلاء الآخرون ليسوا سوى السابقين، أو السلطة السابقة،
أو أصحاب الأيديولوجية السابقة التي رافقت الواقع الاجتماعي السالف... من هنا وضع
الرجل كل السلطات بين يديه، وتملّك كل ما توفر له، من الأرض والماء والماشية
والزراعة وخاصة المواليد، وسائر الأنسال، بالإضافة الى المرأة حاضنة النسل
والخلف... لأنّه غير ذلك سيؤ ّدي به الى خسارة أهم وسيلة انتاجية ألا وهي اليد
العاملة البشرية... من هنا، وجد الذكر نفسه مضطرًّا لحجز المرأة حاضنة المواليد،
وحجز الأرض حاضنة الزراعة والمرعى... ووضع القيود على حريتها حرصًا على تحديد ملكية
النسل... وبدّل الديانات أو العبادات التي قامت في المراحل السابقة، على أساس وحدة
الجنسين الأنثى والذكر... الأمر الذي خدم طويلاً، وسائل العيش واستمرار المجتمع قبل
أن يقع في أزمته العامة، مما دفع الانسان باتجاه تعديل وتغيير المفاهيم والفلسفات
والأيديولوجيا، بما يناسب التطورات الحاصلة؛ وباعتقاد الأقدمين انهم حمَوا المجتمع
البشري من شرور كثيرةٍ، وخاصة التناقض بين التطورات والوقائع الموضوعية، وذلك ليس
بعيًداعن القوانين العامة للتاريخ المادي... لقد أضفى "الذكر" على فلسفات المجتمع،
أيديولوجيته التي تصبّ باتجاه الالوهية المطلقة... فعوضًا عن الإلٓهة الأنثى ، صار
المعبود ذكرًا بامتياز؛ دون أي مبرر واقعي سوى حركة قوانين التاريخ الموضوعية التي
لا تنتظر من أحدٍ فردٍ أن يوجهها... واذا كان هذا التوجّه قد خدم (أو لم يخدم)،
مسيرة أنماط الانتاج القديمة إلا انّه كان يصطدم بواقع التطور الذي لا يتوقف...
فالحركة الفكرية تتبدّل مع تبدّل حركة المجتمع المتنقّل من المشاعية البدائية الى
الاقطاعية فالرأسمالية... ثم الامبريالية كما يرغب أن يسميها البعض... واذا كانت
هذه الايديولوجيا التي رافقت العملية التطورية قد تسببت بأضرار فادحة كانت محمولة
أو محتملة، إلّا أنّها مع الزمن، صارت تسبب الأضرار الكارثية، على البشر والحجر...
من الحروب على أنواعها حتى الحروب النووية والابادات الجماعية والتصفيات العرقية،
وسقوط الملايين من البشر وخاصة الرجال، بالاضافة الى الأناث والاطفال والمواليد،
عدا الأضرار البيئية والأوبئة والأمراض الوبائية، كلّ ذلك يؤشر الى أزمة
الآيديولوجيا التي رافقت السيطرة الاجتماعية للذكور لحقبات طويلة من الدهور، وهذه
الأزمة باتت تتسبّب بأذى وجودي للمجتمع، فهي لم تعد تحمي الذكور ولا الأناث ولا
النسل المستقبلي، ولم تعد هذه الأيديولوجيا وسائر الفلسفات التي قامت على أكتافها
هي الضمانة الكافية لاستمرار المجتمع بصيغته المعروفة، ولم يعد المعبود موثوقًا
وقادرًا على الايحاء بالخير العميم والسلام والأمن للجميع ولا بتأمين الحياة
الجماعية للبشر ولا لحسن مستقبلهم الانساني... لذلك، عندما تصل أزمة الأيديولوجيا
الى هذا المستوى من التأزم... يصير الحاكم ، صاحب السيطرة غير قادر على الاستمرار
بسيطرته، ولا المحكوم قاد ًرا على الاستمرار بتحمّل سيطرته، مهما حاول تغليفها
بعوامل الترغيب والترهيب، او عوامل التقديس والتأليه والتابو، الأمر الذي صار
يتناقض مع الوقائع اليومية الموضوعية للمجتمع... وأبرز عناصر أزمة الأيديولوجيا
اليوم هي الأيديولوجيا الذكورية... التي من الواضح أن الذكور يقعون ضحيتها
بالملايين، بل لم تعد تستطيع أن تحفظ الذكورية للذكور، وأكبر مثال الأزمات الصحية
والنفسية بالاضافة الى الأمراض الجنسية والقصور الجنسي وحتى المثلية الجنسية والعجز
في الاصطفاء الطبيعي للجنس البشري... وليس ذلك فحسب، بل أن الملايين من الضحايا
الأنثوية والولادات والتدمير باتت تتحقق تحت سيطرة الفكر الأيديولوجي الذكوري
المتخلّف... دون ان ننسى العنف والبؤس والجرائم الممارسة خلافًا حتى للأيديولوجيا
الذكورية الأصلية... ولا ننسيَن التشوّهات الخلقية والعنف الأسري والتشريد العائلي
وتزايد أعداد الأيتام، وتفاقم نتائج الحروب الذكورية الدامية التي أدت وتؤدي الى
ازمات عالمية من جراء ارتفاع أرقام المهجرين قسرًا والمهاجرين رغمًا، والنازحين عن
بلادهم وأرضهم هربًا... كل تلك المآسي تفتح باب الولوج الى عالم جديد يختلف كلّيًا
عن العالم الكارثي الذي تعيشه البشرية حاليّـًا على مختلف المستويات الانسانية في
كوكب الأرض التعيسة...! وعندما تستعرض الأزمات التي واكبت ظهور الأيديولوجيا
الذكوريّة، أي السلاح الفكري المدمّر؛ نجد إنفسنا حتمًا أمام واقع تغيير حتمي لا
يمكن تجاهله، وإلا ستقع الكارثة على رأس مدبّريها لا محالة... مما يؤسّس ويمهد
السبيل نحو ظهور حلول اجتماعية تّطيح بكل الواقع الأليم الذي عانته الإنسانية
جمعاء؛ وهو الدرس الذي علمتنا أياه قوانين المجتمع... هذا الدرس يتضمّن ظهور حلول
جديّة وثورية لم تشهدها البشرية السالفة في كل تاريخها السابق... وهذه الحلول ستقضي
على أهم سلاح مدمّر، وهو السلاح الفكري السالف ذكره، وهو تلك الايديولوجيا التي
تحكمت بالمصير والمسار من الماضي السحيق الى الآن، وقدمت الذكورية على الأنثويّة،
وبالتالي كانت قد قدّمت الأسباب والمبررات وأقامت ولا تزال تقيم، الشرخ العميق،
والسور العظيم بين الجنسين الآدميَين، اللذين توالدت البشريّة منهما... ولقد علمتنا
قوانين الطبيعة الاجتماعية عدم امكانية استمرار الأزمات الى ما لا نهاية، وعلى كافة
المستويات، وليس على مستوى الجنسَين فحسب، بل على المستوى السياسي والاقتصادي
اللذين أدّيا الى هذا المصير المأسوي، السيء الذكر... وتبدو الحلول التي سينتجها
المجتمع، قادرة على خلق نمط جديد من "الانتاج"، يعيد اللحمة الى الجسدين المتباعدين
مرغمين، عبر اسقاط ثوري أو سقوط تلقائي، للفكر المتخلف مع كل ما رافقه من فلسفات
وعلوم وأوهام وسخافات معادية للعلم والمعرفة الحقّة والتجريبية الحاسمة... ولا
يتطلّب الأمر ابتداع أيديولوجيا بديلة مطلقًا، تقوم على السيطرة "الانثوية على
المجتمع، لأن كل أيديولوجيا - كما قلنا - هي سلاح مدمّر، سيؤدّي الى إعادة العبودية
مجددًا الى جسم الانسانية... ويحول دون تلاحم بيولوجي وفطري بين الجنسين الآدميين؛
لذلك، المطلوب سقوط الايديولوجيا المميِّزة، واعتماد التدقيق بالعلوم المرنة،
والتجارب البشرية، والانثروبولوجيا التاريخية، بعيد ا عن الفرض و الارغام لأي طرف
أو جهة على أخرى... وبالتالي تستعيد المرأة دورها الخلّاق في خدمة الأجيال
المستقبليّة، لأ ّن لها الدور الأساس في تنشئة المواليد الجدد على قاعدة النمو
الذكوري الحرّ والقوي، وحماية الذكورية البيولوجية، من الانحطاط والضعف، والإنحلال
الأخلاقي، لا بل من بدعة المثليين الجنسيين المعاصرة التي يسعى نحوها حملة
الأيديولوجيا الذكورية المنحلّون والمتحلّلون والشاذون، الذين يفتشون عن تشريع
الصيغ القانونية لسيطرتهم السخيفة المؤقّتة... نذكر ذلك، لأننا على قناعة أن النسوة
هنّ ذوات المصلحة بالحفاظ على النوع، وتربية ذكور أقوياء غير منحلّين... وهذه
المصلحة ذات أبعاد متعددة الوجوه، تبدأ بالتناسل لأيجاد نسل متفوّق، وبالتالي يفسح
المجال لحصول الإصطفاء الطبيعي الييولوجي لا يشوّهه ولا يحول بينه وبين تحقيق
القوانين البيولوجية حائل آيديولوجي... هذا الأمر، طالما كانت المرأة الأم تمارسه،
وتقوم بدورها الرائد في تنميته، بالتربية والأخلاق والدفع باتجاه البطولة والمغامرة
والفروسية، وحماية صغارها وكبارها من عوامل الطبيعة والمجتمع، ومن العوز والضيق،
عبر التضحية بالنفس وبالوقت والجهد، ونكران الذات... وعندما كانت المرأة تقصّر،
فلأنها كانت خاضعة لنتائج الفكر الآيديولوجي الافتائي الخاضع للمصلحة الذكورية،
السياسية والاقتصادية...الخ. والتغيير، المشار اليه، ليس عملية تعبوية ثورية مفتعلة
بل هو فعل اجتماعي سيفرضه قانون التطور الاجتماعي، ولا يتطلّب منها النضال والكفاح
والصراع "الطبقي"، ذلك لانّ المجتمع سينحني أمام الأنثى ويطلب بإلحاح واذعان
للتسليم بالدور المستقبلي للمرأة.. بعد تساقط أوراق وسجلّات الفكر الذكوري وملفاته
ارضًا عند أقدام الأنثى.. بعدما يستجير الذكور من تفاقم الأزمة العامة لمواقفه
التاريخية العتيقة البالية... أجل، سيأتي الخلاص على أيدي النسوة حتما... مما سيحرر
الرجل المكبّل اليدين، مما صنعته يداه عبر الزمن، وما كتبته أصابعه من قوانين
واجتهادات ودساتير وملفّات باطلة بالأطنان ولم تستطع تقديم الحلول الناجعة التي
تمهّد الطريق للانسجام مع التطورالتكنولوجي والعلمي الذي يحول الأرض الى قرية كبيرة
تعيش فيها عشيرة الانسانية جمعاء، دون سلاح الايديولوجيات ولا سلاح الحديد والنار
والنووي والذرّي والنانوي. ومن الآن والى أن يتحقّق ما ذكر أعلاه لا بد للبشرية من
المعاناة الدامية المتوقعة، كما كان يحصل غالبًا عند كل عملية تغيير اجتماعي، او
عند الانتقال من نمط انتاجي قديم الى نمط انتاجي جديد بديل مناسب للظروف الاجتماعية
المستجدّة... في ضوء ذلك، يمكن درس الوقائع الراهنة في لبنان والوطن العربي
والعالم... بعد عرض جملة من العناصر المؤشّرة على الأزمة العامّة للأيديولوجيا
الذكورية، وتفاقمها على كافة الأصعدة والأمكنة، وعلى عدة مستويات ذاتية واجتماعية،
بتنا نرى وكما يلاحظ الكثيرون أن هذه الأزمة لابد من أن تتفتّق عن أمكانية حصول
حلول تتناسب مع التطورات الراهنة في العصر الحديث، إذ ان الوضع لم يعد قادرًا على
الاستمرار لزمن بعيد، ولم يعد هناك امكانية لأصحاب "الأيديولوجيا الذكورية" أن
يواصلوا فرض سيطرتهم بواسطتها دون المزيد من الكوارث الاجتماعية، ولم يعد بقدرتهم
أن يقبلوا هم أنفسهم بها لأنّها أصبحت عائقًا يحول دون توفير الرغبات والراحة
والسعادة المطلوبة لهم، عدا عن المتضرّرين من الفئات الأخرى، لا سيما "الأناث"،
اللواتي صرنَ أكثر قوّة وصلابة وإصرارًا في مواجهة تلك الضغوط الطويلة والمميتة
التي يمارسها الرجال اعتمادًاعلى ذاك السلاح الفكري الرهيب القادر على تدمير الاسرة
والمجتمع إذا استمر بالمغالاة في الاستخدام المتطرف الى أبد الدهور... مما سيسبب
المزيد من الانتحار للطبقة الذكورية والمزيد من الانحسار بالشكل والمضمون الذكوري
بحيث أن الذكور انفسهم يصبحون بحاجة لانقاذ "ذكورتهم" وحمايتها من مفاعيل
الايديولوجيا السالفة الظهور والانتاج... إلى أن انعكست النتائج على جوانب متزايدة
على الأصعدة المختلفة... من هذه الظواهر التي يمكن أن نسجلها، هي الرغبات العارمة
لدى النساء في العالم على انتزاع حقوقهن وفرضها قانونيًّا ودستوريًّا على السلطات
التي يتحكم بها الرجال شكلاً لا مضمونًا، بعد كسر أغلب الحواجز التي كانت تحول دون
الحصول عليها؛ لعلّه بسبب التعليم والوعي واليأس من التوكّؤ على معجزة قدرية أو على
صدفة عرضيّة أو على صحوة ضمير... كل ذلك كان حافزًا للمرأة لأن تضحي بالأزمنة
والأمكانية والجهود الجبارة لتحمّل ما لا يمكن تحمّله من مصائب وويلات تنتهي أغلبها
بالتضحية بالذات حتى الموت... لا، بل ان الأهم من ذلك، هو التطوّر العلمي
والاقتصادي والاجتماعي الذي بدأ يفترض الاستغراق بالاعتماد على المرأة، واشراكها
بقيادة العملية الانتاجية وليس كقّوة منتجة وكأيدي عاملة فقط، لأ ّن المرأة اتقنت
الولوج في مجالات التخصّص التي كانت حكرًا على الذكور، وتفوَّقت، وعرضت نفسها على
امكانية النجاح في العمليات الشائكة... وكذلك، صار معظم حملة لواء "الذكورية" إما
عاجزين أو مقصرين أو مستهترين ومتخللين عن أدوارهم؛ ويبدو أنهم صاروا مكتفين
بالأرباح الطائلة التي ضحّوا من أجل جمعها بالاوقات والطاقات، وباتوا يرغبون بانفاق
ما جمعوا، او حطت أبدانهم، لدرجة الخضوع للمرأة والاتكاء عليها والتنازل عن مكانتهم
من أجل التمتع براحة جسدية ونفسية، صارت أكثر من لازمة للتنفيس عما سببّته تراكمات
الاستنفارات الدائمة التي يتطلّبها الصراع الاجتماعي والاقتصادي والتنافس الحاد بين
"الذكورية والذكور" المكّشرين عن أنيابهم استعدادًا لنهش من يتلكأ عن المواجهة
الحادة بل حتى الدامية والمميتة، بين أطراف الطبقة الواحدة... شملت هذه الامور ليس
بلدًا واحدًا فقط، ولامستوىً واحدًا بل معظم بلدان العالم، الذي انعكست فيه نتائج
التكنولوجيا المعاصرة التي زادت بتداخل المفاهيم العالمية وتبادلها، وساهمت بشكل من
الأشكال برفع الوعي الاجتماعي، بل برفع الغطاء عن القدرات الهائلة للمرأة، بالاضافة
الى رفع الصوت عاليًا في وجه طبقة منهكة انهكها التاريخ الطويل من ممارسة
أيديولوجيتها المبالِغة والمتطرفة التي اصطدمت بواقعها بدونيتها وبما رسمته بأيديها
عن سوء نية أو حسن نية...ذلك يفرض علينا مواصلة تعقّب الموضوع.. في معرض الحديث عن
الأزمة العامة للأيديولوجية الذكورية لا يسعنا إلا التذكير بالتراث البشري الرمزي
الذي يقدم جملة من الرموز المفيدة، مثال: " حواء وهي أوَّل أنثى في التكوين كانت قد
قدّمت لآدم، وهو أوّل ذكر، الثمرةَ من شجرة المعرفة، فيما أن أوّل ذكرين قد تقاتلا
وهما قاين وهابيل، أحدهما قاتل والآخر ضحيّة"... نذكر ذلك، لنقول ان هذه
الآيديولوجيا ولدت متأزمة منذ فجر التاريخ، إلا أنّها ربّما كانت ضرورة تاريخية
تعبّر عن حاجات التطور التاريخي، ولوازم الإنتاج الاقتصادي وزيادته، وتوفير الحاجات
النباتية عبر الزراعة والحاجات الحيوانية عبر الرعي والصيد، حيث كان الذكر أكثر
جهوزية لممارسة المشقات الإنتاجية من الأنثى التي كانت مشغولة بتنمية وتغذية
صغارالذكوروالأناث... وبعيدًاعن الجزم المسؤول عنه الباحث "الانسروبيولوجي" (انس +
بيو+ لوج) علم الاناسة، ولكنّنا نحاول تلمس ما آلت اليه هذه الايديولوجيا ومدى
تفاقم إزمتها في العصر للراهن، عبر ملاحظة بعض الظواهر والانعكاسات التي تكشف
المزيد من المؤشرات المستقبلية... في ظل ما عرضنا أعلاه، نؤكد على أن التسرب
المدرسي ينحصر غالبًا بالتلاميذ الذكور الذين يغادرون الدراسة مبكرًا، ويتوجهون الى
الأعمال التي يمكن اعتبارها أعمالاً شاقة لا تناسب اعمارهم، فيما نلاحظ بالمقابل
نمو أعداد التلميذات في مختلف مراحل الدراسة وصولاً الى الدراسات الجامعية،
والتخصصات الصعبة التي لا يحول دونها سوى الامكانيات المالية والمادية لدى العائلات
والأهالي والظروف الموضوعيّة... إذ ذاك، نسجل ارتفاع منسوب الأعداد الأنثوية في
مختلف الاختصاصات العلمية لدى نقابات المهن الحرة؛ فالمحاميات واللواتي هنّ في مركز
القضاة يكدن يسيطرن على المحاماة والقضاء في قصور العدل... وصرن يحسب لهن الحساب في
التصويت في مجالس نقابات الإطباء والمهندسين وأطباء الأسنان؛ وتسجل نتائج امتحانات
الشهادات الرسمية نسبة عالية من النجاحات لدى الأناث بالمقارنة مع الناجحين
الذكور... ولعل هذ الأمر لاينحصر في بعض البلدان بل في أغلب البلدان، المتطورة منها
وحتى المتخلّفة، ولاسيما في القطاعات الأمنية والأمن العام والشرطة والجمارك
والمطارات والمرافئ، وفي الكثير من المجالات، حتى القتالية والعسكرية... كل ذلك، لا
يعني أن مسيرة المرأة ونفوذها في طريق السيطرة التامة على المجتمع! لأن كل هذا
الأمر لا يتعدّى تنفيذ متطلبات السلطة الذكورية وقوانينها وتوجهاتها ومصلحتها
الطبقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولكن ذلك سيترك أثره الحتمي على ضرورة
التغيير المستقبلي، باتجاه سقوط الايديولوجيا الشنيعة التي تحكّمت بمصير البشرية
بعيدًا عن الانسانية، وسيفتح المجال لتأسيس نظام غير فئوي وغير أيديولوجي ينقذ
البشرية من التمييز بين الجنسين... والتطورات الحاصلة تعرض امكانيات المرأة لتبوّء
سدّة قيادة المجتمع، والتخلّص من العنف والحرب والظلم باتجاه أكثر سلمية، سيما وان
التطور العلمي سيسقط أهمية العضلات الفائقة القوة التي كانت مطلوبة ولازمة في
الماضي من قبل الذكور، بحيث ستحل الآلات المتطورة مكان الجهد العضلي البشري... مما
سيقلل من دونية المرأة بالمقارن بالرجل في مجال مزاعم القوة الجسدية التي ستصبح هي
نفسها بحاجة للاستعادة بعدما ضعفت مع تفاقم الأزمة العامة... وما سيساهم بالتغيير،
هو توقّف التجاوب مع الدعايات والإعلانات السخيفة التي تسعى بالمبالغة في استعراض
الجمال الانثوي، وتحويل كل أنثى الى عارضة أزياء، أومنافسة لملكات الجمال، مما بات
يترك النتائج النفسية المعقّدة على أمزجة الأناث اللواتي بتن يشعرن بالدونية
الدائمة المحتاجة للترميم الجسدي المتواصل ارضاء لمزاج أصحاب المتاجرة
بالأيديولوجيا الذكورية القاتلة للروح البشرية التلقائية والطبيعية والفطرية،
وطغيان الشكل الخارجي للمضمون العلمي الانساني للمرأة... وبالمقابل، يصبح من
الضرورة أيضًا، تقلّيص المغالاة في استعراض القوة الذكورية التي تترك أثرها السيّء،
على طبائع الرجال الذين سيشعرون بالدونية الدائمة تجاه جنس النساء وسائر الآخرين
حتى من الذكور أنفسهم ،كأنه يجب أن يكون كل ذكرواحدًا من ممثلي أفلام الدعارة
والجنس... وإلا ليس له غير التشبّه بالنساء والاستغناء عن طبيعته البيولوجية، عبر
الاستسلام لواقعه الدوني، فيأتي الى الإمتيازات الانثوية الجمالية تخلًّصًا من
العجز في تحقيق البطولات الوهمية... كل تلك الاشكاليات تحلّ عندما تطلق أيدي النساء
ويستسلم الذكور برفع القيود التي كبّلت تاريخ الجنسين لحقبات مديدة... بعد عرض جملة
من المظاهر المسيئة للواقع البشري لجهة استعراض الجمال الخارجي مقابل استعراض
الفحولة الذكورية، بالاضافة الى انعكاس الواقع الاجتماعي على الدراسة والتعليم، لا
بد من التوقف عند ظواهر أخرى نتلمسها عبر الزمن، هي ظاهرة العنف الاسري ضد الانثى
بالذات الذي صار أكثر انفضاحًا مع تطور وسائل التواصل الالكتروني... وهذه الانثى هي
الزوجة والابنة والاخت والأم... عدا العنف الممكن حتى ضد الذكور أيضًا.. بغضّ النظر
عن الأسباب الكثيرة التي تسبّب هذا العنف، لا بد لنا إلا ذكر أحد أهم الأسباب وهو
الأيديولوجية الذكورية التي أعطت سلطة التحكم بالمصير العائلي للذكر، من نواحٍ
عديدة تبدأ بالاقتصاد وتتوّج بالأخلاق، وتتوسّع لتأخذ الطابع الديني، المدعوم بسلطة
عسكرية وقضائية وقانونية؛ كل هذه القوى الموفرة للرجل لا تعني أنه صار "البطل" ذا
عضلات، ويمارس البطولات على "الأمّة" والشعب، كما يمارس البطولات على الأنثى "الأم"
التي أضعفتها انعكاسات الأيديولوجيا على واقعها المرير، بل هو في أغلب الأحيان ان
هذا البطل هو ضعيف بالواقع، وضعيف بالمقارنة الوهمية، الناتجة عن كثرة المغالاة
بالفحولة على حساب التسليم بما انتجته الطبيعة البشرية، فينعكس كل ذلك على التصرفات
القمعية والعنفية... اسوة بالأنظمة السياسية العاجزة عن تخطّي الأزمات بغيرالقمع
واستظهارالقوة والعنف ضد المعارضة. إذًا كل ذلك ما هو إلّا تغطية السموات بالقبوات
من حيث الممارسة والتجربة الاجتماعية... سيما إذا كانت امرأة أكثر علمًا وثقافةً
وفهمًا من الرجل الذي دفعته الحياة نحو الانخراط باكرًا بالأعمال الشاقة لتأمين
الحاجات المعيشية. وعوضًا عن التعاون بين الجنسين، تتحول العائلة الى "صراع طبقي"
بين الظالم والمظلوم، علمًا انهما ليسا سوى ضحيتين من ضحايا التاريخ الذي لا
يرحم... في هذا العصر، ونكاد ندخل العقد الثالث من الألفية الثالثة، يمكن تسجيل
صعود نجم المرأة في العالم، وصارت المرأة في سدة الرئاسة في عدّة دول كبرى وصغرى،
ودخلت في كثير من البرلمانات، وباتت مشاركة في السلطات التشريعية والتنفيذية،
بالأضافة الى السلطات القضائية في العالم، بعدما كانت قد ولجت السلطة الرابعة من
بابها الواسع، سلطة الاعلام، والصحافة المسموعة والمرئية، وفي الآداب والثقافة
ومختلف أنواع الفنون، بل أن النجاح في بعض الفنون هي حكر للمرأة، فيما واصلت دورها
الرائد في مجالات البحث العلمي الكشف المختبري والتجريبي، وتبوأت كبرى الوظائف
وكبرى الشركات العالمية وفرضت نفسها على مختلف المجالات الحياتية، ونجحت على صعيد
التربية والتعليم.. الخ. كل ما عرضناه أعلاه، لا شك، يوحي بأ ّن التراكم الكمي
سيؤدي حتمًا الى تغيير نوعي في المجتمع، انسجامًا مع التغييرات الموضوعية في البنية
التحتية وسينعكس على البنية الفوقية في مختلف بلدان العالم... ولكن كل ظواهر
التغييرات الحاصلة، لا تزال بطيئة في مجال الأيديولوجيا الذكورية السائدة في كل
المجتمعات، واذ حصلت تطورات كثيرة في تعديل الدساتير والقوانين وفي الأحوال
الشخصية، في دول كبرى أو صغرى أومتطورة، إ ّلا انّها لا تزال تعمل تحت سقف
الايديولوجيا إيّاها... ولكننا نؤكد على ان الاتجاه يسير بخطى حثيثة نحو التغيير
الثوري في أساس المجتمعات البشرية، سيما في عصر التطور التكنولوجي الذي يغزو
العالم... وبالصدفة تّم تعيين امرأة، لأول مرة، في منصب مديرة لوكالة الاستخبارات
الأمريكية الذائعة الصيت. ولكن هذا التكليف ليس الّا في خدمة النظام الذكوري...
وحتمًا ستنجح بتجاوز الذكور بالممارسة العنفية..! فماذا في بلادنا يا ترى؟؟! في هذه
المناسبة نشرت د. نوال السعداوي في صفحات كتبها، ما يلي: ماذا يدفع الإنسان للتمرد
والثورة أكثر من الإحساس بالظلم والتوق للعدالة؟ يختلف الظلم الواقع على المرأة عن
الظلم الواقع على الرجل، لمجرد انتمائها للجنس الآخر، تتعرض المرأة للظلم الجسدى
البيولوجى وما يتبعه من ظلم اقتصادى سياسى أخلاقى دينى اجتماعى قانونى، يقع هذا
الظلم «السداسى» منذ اغتصاب الذكور للسلطة السياسية الاقتصادية وما يتبعها من سلطة
دينية قانونية أخلاقية، تم إخضاع المرأة بالقوة والعنف والاستعباد، اكتسبت الرجولة
مفهوم القوة والقدرة على العنف والانتصار فى المعارك السياسية والعسكرية والدينية،
تم تشكيل مفهوم الرجولة على مدى القرون، من قدرة الرجال المسلحة على اغتصاب النساء
والأرض وموارد الآخرين ومنتجاتهم المادية والفكرية، استطاع عبيد الأرض التمرد فى
ثوراتهم المتتالية ضد الأسياد، أصحاب السلطة والمال والثقافة والعلم والفلسفة
والدين والأخلاق، إلا أن كل رجل من المتمردين الثائرين ضد الظلم، كانت فى بيته
امرأة يظلمها، هى زوجته، تشتغل له ولأولاده بالمجان، يغتصب حقوقها الإنسانية، حسب
قانون الزواج العبودى، المستمر فى جوهره حتى اليوم، فشلت الثورات التاريخية فى
القضاء على الظلم، لأنها تمت بعيدا عن البيت والعائلة، فصلت بين الشخصى (الخاص)،
وبين السياسى (العام)، لهذا السبب لم تغير الثورات من الظلم الواقع على النساء إلا
قليلا، ببطء شديد، مع النكسات المتكررة، ما إن تخرج المرأة من سجن حتى تدخل سجنا
آخر، من سجن العذرية إلى سجن الزوجية، من سجن الأمومة إلى سجن الكهولة واليأس، من
سجن الحجاب إلى سجن النقاب، من سجن التغطية إلى سجن التعرية والتهتك، وتظل مواثيق
حقوق الإنسان العالمية غير شاملة لحقوق المرأة، لم تنجح الثورات الشعبية على مدى
العصور، فى تغيير النظم الحاكمة القديمة والحديثة وما بعد الحديث، لأنها تقوم فى
أساسها على عبودية نصف البشرية (النساء)، فشلت الثورات الفرنسية والإنجليزية
والأمريكية والروسية والاشتراكية والليبرالية، فى تغيير نظم الحكم الطبقية الأبوية،
لسبب بسيط، هو أن الثورة لم تشمل «البيت» أو سلطة الرجل فى الأسرة، المستمدة من
الأديان، تزداد الأديان عنفا وقهرا للنساء، كثيرا ما تتراجع السلطة السياسية العليا
(فى الدولة) أمام سلطة رجال الدين، شهدنا فى مصر مؤخرا، معارضة رجال الأزهر لنداء
رئيس الدولة لإلغاء التطليق الشفهى، هكذا تظل الزوجة المصرية محكومة (حتى اليوم)
بقانون لا يختلف كثيرا عن قوانين العبودية، إذ يحق للرجل المصرى، الزواج بأربعة
نساء، وتأديبهن بالضرب أو تطليقهن شفهيا، بل يمكنه قتل ابنته أو زوجته أو أخته،
ويخرج من المحكمة، فى معظم الأحيان، بريئا أو بعقاب مخفف، تحت اسم الشرف والنخوة
والرجولة. ليس غريبا أن يحتل العنف الذكورى أو ما يسمى «تحرش الرجال بالنساء» مكانا
بارزا فى حوادث العنف والإجرام، شرقا وغربا، منها الولايات المتحدة الأمريكية، بمن
فيهم رئيس دولتهم ذاته، ورجال الفن والإبداع من ذوى الشهرة والنفوذ والأموال، لم
تغير الثورات السياسية أو الفكرية من أخلاق الذكور، يمكن للرجل الديمقراطى
الليبرالى المدافع عن حقوق الإنسان، أو الرجل الاشتراكى الماركسى المدافع عن حقوق
العمال والفقراء، أن يتحرش بالمرأة، ويمكن لنجم فنان كونى، أو كاتب عالمى ثورى، أن
يغتصب طفلة لم تبلغ العاشرة، كما شهدنا مؤخرا، من نجوم الفن الأمريكيين فى هوليود،
لم تغير الأفكار الإنسانية الحديثة من السلوك الذكورى العنيف تجاه المرأة، وكم من
فلاسفة وعلماء كتبوا النظريات وألقوا الخطب عن الأخلاق والعدالة والحرية والكرامة،
ومع ذلك ظلت حياتهم بالبيوت تطفح بالظلم والعنف، بل إن كارل ماركس، الزعيم الثورى
لتحرير العمال والفلاحين، كان يظلم المرأة التى أنجب منها طفله (غير الشرعى) وتخلى
عن ابنه ليرعاه صديقه فردريك إنجلز، مع تمرد الرجال الأجراء وثورة العمال المقهورين
فى المزارع والمصانع، ومع انتشار الأفكار الاشتراكية ضد القهر الرأسمالى الاقتصادى،
بدأ الكاتب المتمرد الثائر يلمع فى الأفق السياسى والثقافى، وتنشر أفكاره وكتاباته
بين الجماهير، لم يقلل التمرد أو الثورة من رجولة الرجل، بل زادتها قوة وتأكيدا،
أصبح الكاتب المتمرد الثائر ينال الاحترام والتقدير، ويدخل اسمه وأعماله فى التاريخ
كواحد من الأبطال رواد التحرير، أما زميلته الكاتبة المتمردة الثائرة، فهى تنال
الكره والعداء، حتى منه هو، إن كان زوجها، أو زميلها أو أخيها، أو الرجال الآخرين
فى الدولة والمجتمع، تصبح الكاتبة المتمردة الثائرة مهددة فى حياتها وأخلاقها،
يقولون إن الله خلقها أنثى ليس ذكرا وفرض عليها قانون الطاعة وقبول الهوان، من
السهل اتهام الكاتبة المتمردة الثائرة ضد الظلم أنها ثائرة ضد إرادة الله، أى كافرة
منحلة الأخلاق، لا يشتمل مفهوم الأنوثة على التمرد والثورة أو الذكاء والإبداع
العقلى، يمكن للمرأة أن تبدع جسديا فى الفراش أو بيولوجيا بإنتاج الأطفال، أو بعمل
المسقعة ودعك المرحاض، تنبع صفات المرأة المثالية من الاستسلام للهوان والظلم وليس
التمرد عليه، تتّهم الكاتبة الثائرة بالشذوذ أو المرض النفسى، وفى التاريخ القديم
والحديث تم إيداع الكاتبات الثائرات المبدعات فى السجون أو فى المستشفيات العقلية،
إلا أن ثورة النساء أصبحت اليوم عالمية، وتخرج، فى شهر مارس هذا العام، المسيرات
النسائية المليونية فى جميع البلاد، إلا بلادنا. بعد عرض آخر مقالات حاملة لواء
الانثى في مصر والعالم ألا وهي د. نوال السعداوي السيدة المصرية الأصيلة، لا بد من
التوقف عند بعض الظواهر، الانثوية والذكورية، المحلية والاقليمية المستجدة، اذ نسجل
نمو الحركات النسائية على مختلف المستويات، منها المطالبة بقليل من الحقوق
الانسانية، التي قد يعتبر البعض ان هذا القليل هو كثير على مجتمعاتنا، مع العلم انه
لا يتعدى أكثر من المشاعر البشرية... هذه الحقوق، مهما ارتفعت ستبقى تحت مظلّة
ومظلمة الآيديولوجيا الذكورية واضعة القوانين والدساتير والأعراف والعادات
والتقاليد والطقوس والعبادات الوثنية واللاوثنية، منذ سقط دور المرأة التاريخي في
المشاركة المتكافئة مع الرجل، بل منذ تملك الرجل زمام الأمور الاقتصادية
والإجتماعية، عبر الزراعة والرعي والصيد... الخ. إلى ذلك، يمكن للمرء أن يسجل
ارتياحه للتطورات الحاصلة في العالم، اذ تحقّق في كثير من المجتمعات تعديلات على
الاحوال الشخصية ومن ضمنها قوانين الزواج، وحقوق الانسان عامة والمرأة من ضمنها،
بالاضافة الى الحق في التعلّم للمرأة وكافة عناصر المجتمع البشرية وخاصة الأطفال،
حتى في العالم العربي بتنا نتلمس التغييرات الواعدة في المجتمعات المحافظة؛ إلا
أننا نعيش اليوم إحدى الظواهر الهامة في التاريخ المحلّي اللبناني، وهو ترشح
الأعداد الكبيرة من النسوة الى الندوة النيابية اللبنانية، ويكاد عددهن يضاهي عدد
المقاعد الذي يتألّف منها المجلس، وتلك الظاهرة لا يمكن الاستهانة بها مطلقًا،
وتؤسس لنجاحات مستقبلية، وكلما زاد عدد الممثّلات الأناث فسيترك تأثيره حتما على
تطوّر الأوضاع الإجتماعية والسياسية... ولكن لا يمكن ولا يجوز الجزم بامكانية سقوط
الأيديولوجيا الذكورية، لا محلًّيًّا ولا عالميًا، وغير مطلوب اسقاطها محلّيًّا
مطلقًا، لا سلمًا ولا حربًا ولا بثورة نسائية، لأن الأمر يتجاوز الوقائع الى
التغييرات الموضوعية والتاريخية التي يمكن أن تتحقق بالمستقبل، حيث ستتأزم بشدة
أزمة الذكورية، الى درجة لم يعد هناك امكانية لاستكمال العيش في المجتمع بوجودها...
بعد ذلك سيسعى "التاريخ" لتقبيل أرجل النسوة من أجل "تقبّل" سقوط تلك الأيديولوجيا
التعيسة التي قامت بدورها وانتهى، بحيث لن يبقى منه سوى التراث والذكرى... أليس ذلك
الذي حصل في الماضي السحيق عندما كانت المرأة في قبلة المجتمع... من هنا لا نرى
ضرورة، أن تضحي المرأة بالغالي والنفيس من أجل السيطرة بأيديولوجية أنثوية بديلة،
لأنه كما سبق وقلنا أن كل أيديولوجيا هي سلاح فكري قاتل، والمطلوب عدم قتل الذكور
ولا قتل الاناث كما لا يزال مستمرًّا ويحصل حاليًّا... بل المطلوب انقاذ الرجولة
والرجال وتحريرهم من ربقة الفكر المدمر، لهم ولهنّ... ففي تقديري، لا ينقذ الذكور
سوى الأناث، فهنّ مرضعات الكبار، وكبار القوم، منذ كانوا صغارًا، وهنَّ مربيات
الصغار الى أن كبروا... والمستقبل يبشر بالخير... فكما اسقط التاريخ دور المرأة في
الماضي البعيد، لمصلحة الذكور، فسيعيد التاريخ اللحمة الى الجنسين ليعودا جنسًا
واحدًا بشريًّا انسانيًّا، لا فضل لجنس على آخر سوى المصلحة السلمية والسليمة
لمواليد المقبل من السنين او العقود القادمة.