الخميس، 18 فبراير 2016

المليارية في عيدها ( القسم الإوٌل)

               -----------------------------

   كان الإعدادٌ لإحياء ذكرى الميلاد ناشطًا في تلك البقعة الكونية الوسطية.. من الزمان والمكان.. في النقطة الأكثر قربًا من الكلّ.. المترسخّة في أعماق الفكر..ففي لحظة عظيمةٍ من لحظات  الوقت يجري الحدث المنتظر من آماد وأبعاد شاسعةٍ شاسعةٍ..

  في الموعدالمحدّد بدقّةٍ.. تنطلق عائدةً كلُّ الإشعاعات الى مقر الإحتفال.. فلا يبقى شعاعٌ أبيض أو أحمر أو أصفر أو.. وما بينها من ألوان.. إلّا وكان يتجّه نحو رَحَمه..  حتّى الأسود أخلى حيزَه ليشترك ويشرك، كلّ النجوم أطلقت أنوارها باتجاه الهدف ذاته.. كلّ الشموس.. غادرت أضواؤها مكانها الى زمانها.. كلّ الإنعكاسات النورانية وصلت أو كادت أن تصل.. كلٰ الإضاءات كانت تتّجه وتحلّق الى النقطة..

  في تلك اللحظة.. لا قمر أضاء.. ولا صناعة أنارت.. لا بركان شوهدت نار حممه.. ولا أفران إتّقدت..كان الكلٌ مشغولًا في الحفل وبالحفل..لا ظلال في المكان دانية ولا ظلال نائية.. لا ظلام، ولا عتمة.. كلّ شيءٍ مرئيٌّ.. وكلّ العيون تعاين المشهدَ.. لونٌ واحدٌ مجهول غطّى الشيءَ.. والشيء مشيئئةّ.. والنفوس ساكنةٌ.. ناظرةّ رقيبةٌ مندهشةٌ.. لم يدركْ أحدٌ حقيقةَ المشاعر..

  كلّ نور، كلّ نار،  كلّ مشهد هناك يرقص ويتراقص.. يوجُّ  ويرتجُّ.. موجات، موجات، أهي مرئيّةٌ أو مسموعةٌ.. لا يدري أحدٌ.. مجهول ما يجري في العالم.. ولاعالم يعلمُ.. ولا فقيه يفقهُ.. لم يقدر أحدٌ أن يفسّر أو يشرح..لا دينيّ ولا دنيويّ .. لا علميّ ولا علمانيّ.. لا ملحد ولا مؤمن.. كلّهم قد أسقط في أيديهم..

  

  سيطر الهدوء، لا الصمت.. وجومٌ أجّاجٌ.. كلّ مادّةٍ مضيئة غير مشعّة.. كل الشعاعات هناك.. كلّ الأنوار.. أضخم الحواسيب عجزت عن الحساب.. سكتت الفيزياء.. إنكتمت الكيمياء.. نشطت الرياضيّات ولم تصلْ.. كلٌّ  مستغلقٌ على الفهم.. تنطلق المراصدُ.. تلاحق مسارات الأنوار والإتجاهاتها..  واحدٌ واحدٌ.. الاتجاه واحدٌ.. نحو ذلك الذي كان مصدرًا.. يستعيد ما بثّ وما بعث.. ويسترجع ما قيل عن إنّه ماضٍ.. وللأكوان مفاهيمُ خاصّةٌ..  وما الإنسان صنيعتُهُ.. لماذا لم يعِ البشرُ ما يجري؟؟!

           المليارية في عيدها( القسم الثاني)

           ----------------------------

   احتشد الناس للصلاة.. هي مناسبة يُحيون فيها الحفلات في كلّ مرّةٍ..

   واليوم أيضًا يسعون.. لأوٌل مرّة يحتفلون على خلاف المعهود.. فلا مصباح.. ولا حطبة.. لا شمعة.. لا بصيص.. وما أن اصطلوا النارَ في الشموع.. غادر اللهب بسرعةٍ نحو ذلك المكان والزمان..

  تناظر البشر.. تناظر الأباء والأبناء.. الأمهات تفقدّن أولادهنّ.. الأزواج والزوجات متعانقون.. الكبار ملتفّون على الصغار.. البَشَرَات مرئيّةٌ غير ملوّنةٍ.. الخدود أيّاها مضيئة غير مشّعةٍ..  كلّ الألوان والأطياف غادرت.. هناك..

  الأصواتُ.. حتّى هي إحتارت وحيّرت وتغيّرت.. كيف يمكن إحياء المناسبة التي طالما ترقّبها البشرُ؟؟ هذه المرّة غير أي مرّة.. نحن على عتبات عقود ألفية جديدة.. عقدان ونصف بعد ألفيتين.. هكذا الالفيات تمضي.. وهذه الثالثة تقضم أزمنة السنوات.. وهذه النقلة تحلّ في ظروف غامضة.. وطرقت الآذان أصوات مجهولة.. أصوات الكنائس ليست ذاتها وأذان الجوامع ليست ذاتها.. الأجراس والآلات الصاخبة لم تعد كما كانت تصخب..

  تراقص الناس على ايقاعات مجهولة وأنغام غريبة.. واستُحضرت من الذاكرة ألحانٌ وكلماتٌ.. والأفواه صادحةٌ..  والأجساد ميّالة ميّادة.. لعلّنا لأوّل مرةٍ نحتفلُ  بحدثٍ نادرٍ فريدٍ.. جنسنا نحن روّاده الأوائل..

  وفي كلّ الحالات لا يبقى لك أيّها الإنسان إلٌا هذا الفرح..  والفرفحة والفرفشة.. فافرحوا.. لا يبدو أن في الأمر غيرَ الفرحِ.. لا كارثة بركانية بدا نارها.. فلا هزّات ولا إنفجارات.. إذ راحت شرارات وإضاءات المتفجّرات باتجاه المصدر باشعاعاتها وأصواتها.. ودويّها تبدّل.. فلا رعد ولا برق.. والبروق مضت الى حيث حيك النورُ..  والدفءُ فيه من الأشعة.. فلا دفء ولا برد.. قيل إذًا كنّا جيل هذا الحدث النادر فلنكن جديرين به..

   أنه رأس السنة على كوكب الأرض.. يحتفلون بعقود الألفية الثالثة..  فلنحتفلْ.. ما المشكلة؟  نحن أبناء الحدث.. كانت الأصوات تهتف.. والساعات تدقّ.. والأنوار أنجزت مَهمتها.. وعادت الشعاعات وألوانها إيّاها تشرق  وتستعيد فيزياءها وكيمياءها.. وعادت الأنوار الى الكهرباء.. والمصابيح أصبحت.. والقمر استرجع إنعكاس نورها.. كلّ شيءٍ استردّ ألوانه.. ووجنات الحبيبات  عَبَقَ احمرارُها مجدّدًا.. والشفاه تحمّرت فنضرت مجدّدًا.. وتبادل الكلُّ القبلات مع الكلّ .. وهناك في مركز الكون حيث لا مركزَ له.. كان النور يحتفلُ بذكرى انتشاره  الأولى.. بذكرى الانفجار الكبير.. ليس عن قناعة بل رغبة بالإحتفال والفرح، والأمّل بأن يحلَّ خيرُ المليارية السادسة عشرة مجدّدًا على العالم..

   منتصف الليل، هنا، جاءت باقاتٌ وحزماتٌ من الإشعاعات القريبة من كوكب الأرض تراقب وهي منفرجة الأسارير، انفجارَ الأسهم النارية في أجواء الليل التي تذكّر بالأنوار وسائر الأضواء الناظرة بـ "البيك بنغ".. وهي واحدة من البدايات، " عندما كان البدء هو الكلمة"..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق