رواية "مرآة الروح": انبعاث موسم الياسمين
  قد لا يخطر على بال القارئ للانتاج الأدبي المحليّ أنه بصدد رواية تتخطّى بأبعادها آفاق عاصمة الشمال اللبناني الى المساحة الأقليمية بل الى الميدان الأوسع من ذلك، ليس لأنّ الكاتبة لونا قصير طرابلسية بل لأن الموضوع الذي تناولته في كتابها الروائيّ الرابع " مرآة الروح" يدور حول أهم حدث اقليمي ودولي شائك ومعقّد... ألا وهو الحدث السوري بامتياز الذي يدمي القلوب القاسية.
  والرواية لا يمكن أن نسمّيَها إلّا ملحمة، كون الأحداث الواردة كما يجب أن نتوقّع حتّمًا، كثرة الضحايا الذين لن نتفاجأ بسقوطهم.... 
  نعم، إن محور الشخصيات الواردة في الرواية هي علنًا "ياسمين الشام" مما يزيل الشك عن التورية المتوقّعة وعن الترميز، وهي التي يجب أن تمثّل "المستقبل" ليست سوى لقيطة تربت في دير لبناني، كان قد استشهد من استشهد من أهلها في الحرب السورية الدامية... رغم أنّ الشخصية الأخرى التي احتلت مركز الصدارة، لم يكن سوى "رمزي" المهندس الذي كان يجب أن يكون له دوره في عملية البناء لم يكن سوى وحيد أهله، وهو وارث لمرض الأم المتوفاة (رمز الأمة والشعب) الذي أقعده سنوات، وبالتالي سقطت من جراء ذلك تلك البنية والهيكلية، مما حرم ياسمين الثراء والحب والولادة، واضطرت للعمل والسفر، والتعرّف على عاشق آخر، كاد يموت بحبها...
  نعم إنّها ملحمة، والملاحم مفعمة بالموت، الذي أحاط بهذه الفتية منذ الولادة وأوصلها الى لبنان لقيطة يتيمة جميلة، وفيها وفاة ام رمزي، ثم والده مرعي (راعي الزواج) ثم الأم كريستينا، ثم انتحار البطل المقعد الرمز دون أن يقوم بدوره، رغم الرعاية المديدة، ولن نفاجأ بذبول الياسمين..!
  حتى أن البديل، أيضًا العاشق الولهان "هادي"، هو ثريّ وحيدٌ تربّى عند خالته في الخارج، يعاني من نقاط ضعف في المعدة، وقد اسقط في يده عندما أدرك أنه يعشق متزوّجة، كرّست عمرها لرعاية الزوج المصاب بمرض عضال لا علاج له...
   ربّ قائلٍ، أنها قصة المآسي المتعاقبة على بلادنا... والجواب، أنها دراما حقيقيّة فيها من الرومانسية الابداعية مما يتصل بالشعر النثري، نقلت فيها الكاتبة الكثير من المشاعر البشرية والانسانية التي تفعم قلوب العشاق، على لسان شخصياتها الذين اختارت أدوارهم بنجاح، ارتقت بها الى درجة الحكم الفلسفية...
  عدا ذلك، تصرّ الكاتبة على أن محور الحدث هو الصراع الذاتي بين الرغبات والواجبات والإلتزامات، الامر الذي سيجد صداه الإيجابي لدى فئة واسعة من القرّاء وخاصة القارئات، وهو موقف حقيقي لا خلاف عليه، ولكن في الواقع، وبرأيي، هو غلبة صراع المواقف من "هيكل وكيان" أي هيكلية منهارة ومقْعَدة غير مجدية وبين بديلٍ عشق "الياسمين" حتى كاد أن يستشهد في سبيله (أو سبيلها) وكاد يفقد الحياة شوقًا وغرامًا...
  على كلّ حالٍ، لم يمت سوى موسم ياسمين محدّد، ذلك لأنّ موسم ياسمين آخر قد ولد على يد البديل "هادي وماجدة"، رمز المجد؛ ولا ننسيَنَّ شعاره الذي اعتمده كان "أن ياسمين لا تستطيع ان تموت..!"
  والجدير بالإشارة الى ان الكاتبة كما اختارت الأسماء بحرَفيّة ناجحة، إلّا انها استنطقت عناصر الطبيعة لتلعب دورها في السياق بامتياز لم يسبقها اليه الكثيرون، دون ان نغفل ذكر الأديب الكبير "توفيق يوسف عوّاد"، الذي كان يلجأ أحيانًا الى هذا الاسلوب في بداية كل فصل من بعض رواياته، إلّا انها تجاوزت التقليد بتناول الكثير منها مثل النهار والليل والمساء والصباح والشمس والقمر والنجوم والغيوم والامطار والريح والنسيم والبحر والامواج والرياحين والأزهار والورود والطيور... وكان لكل عنصر منها إيحاءاته المعبّرة عن وضع نفسيّ مناسب، بل صارت على يديها قصيدة شعرية مفعمة بالاحاسيس المرهفة، أو الغاضبة، مما يؤسّس لأن يحتلّ مكانته في سيناريو، مرأي ومسموع، على شاشة كبيرة ام صغيرة...
  ولكي لا نغرِق الراغبين بمطالعة هذا الكتاب  بالمزيد من التفاصيل الجديرة بالقراءة والمعاينة المباشرة، نقول أن السيدة "لونا" قدّمت عملًا أدبيّـًا عربيًّا راقيًا تجاوزت به الحدود الجغرافية والذاتية... حيث لعبت في الميدان الإقليمي انطلاقًا من لبنان وسوريا إلى الخليج مرورًا بمصر، وراحت غربًا باتجاه الساحة الأوروبية، من اسبانيا وايطاليا فرنسا... ولعلها كانت توحي بالتأثير المباشر للحدث المشرقيّ على تلك العوالم البعيدة...
  ومن الناحية الشخصية لا ألومَنَّ من يقرأ روايتها ان يستنتج، أن تلك العاطفة الجيّاشة المحيطة بياسمين لا تبعد كثيرًا عن ذلك العشق الراقي الذي يبديه نزار قباني لرمزه المحبوب "بلقيس"... وما "بلقيسته" سوى "ياسمين الشام" بامتياز...
   واذا كان لا بد من إبداء الرأي، نرى أن الرواية قادرة لأن تتحوّل الى مسلسل تلفزيوني متعدّد الحلقات، على يد سيناريست ضليع، مع تعديل بعض ما يمكن تعديله من الحوارات "الجبرانية" الواردة بما يناسب المشاهد العربي والأجنبي أيضًا... وذلك اسوة بالرواية السابقة " فراشة التوت" المؤهّلة لأن تتحوّل الى مسرح غنائي ناجح مع بعض التعديلات والإيجاز...
  وفي نهاية المقال ندعو للكاتبة بمزيد من التقدّم والتوفيق، لإغناء المكتبة العربية الورقية، بإنتاجات اضافية، تتخّطى الحدود العربية الى العالمية، في زمن انحسرت فيه مؤلّفات الكثير من الأقلام التي اعتدنا على مطالعتها في أزمنة سالفة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق